Skip to content
Skip to content

المسيحيّون في المشرق العربيّ: مؤتمر في عمّان يُعيد طرح أسئلة الحضور والمواطنة والتّنوير

عدد القراءات: 565
تاريخ النشر: مايو 13, 2025 2:52 م
1746970249472

ملح الأرض – داود كتّاب، ليث حبش

في لحظةٍ فارقةٍ من تاريخ المشرق العربيّ، التأم عدد من القادة الدّينييّن والمُفكّرين والأكاديميّين في العاصمة الأردنيّة عمّان للمُشاركة في مؤتمر “المسيحيّون في المشرق العربيّ وتطلُّعات الوحدة والتّنوير”، الّذي عُقِدَ برعاية الأمير الحسن بن طلال، رئيس مجلس أمناء المعهد الملكيّ للدّراسات الدّينيّة، وبمشاركة بطاركة وأساقفة وشخصيّات فكريّة ومؤسَّسات مجتمع مدنيّ من مختلف الدُّول العربيّة.

جاء المؤتمر في ظلّ تحدّيات مُعقّدة تواجه المسيحيّين في المنطقة، تتراوح بين تراجع أعدادهم في بعض الدّول، وتزايد الخطابات الإقصائيّة، وضعف حضورهم في مناهج التّعليم وسرديّات التّاريخ الرّسمي. لكنّه في المُقابل قدَّم خطابًا بديلًا عنوانه الأساسيّ “الاندماج لا الانعزال، الأمل لا الانكفاء”.

الحضور الهاشميّ… ودلالة الانتماء

من أبرز ما ميّز المؤتمر، الحضور الشّخصيّ للأمير الحسن بن طلال، الّذي ألقى كلمة أكّد فيها أنَّ المسيحيّين ليسوا “جاليات وافدة” بل مكوّن أصيل ومُتجذِّر في النّسيج الاجتماعيّ والثّقافيّ للمشرق العربيّ وأكَّد سموّه أنَّ التنوّع الدّينيّ والثّقافيّ ثروة وليسَتْ تهديدًا، وأنَّ حماية هذا التنوّع مسؤوليّة مُشتركة، مُشدّدًا على أهمّيّة التّربية على قيم المُواطنة المُتساوية.

توصيات… ورهانات على المُستقبل

أصدر المُؤتمر مجموعة من التّوصيات وُصِفَتْ بأنَّها جريئة وواقعيّة، تدعو إلى إدماج تاريخ ودور المسيحيّين المشرقيّين في المناهج الدّراسيّة، و تشجيع الخطاب الدّينيّ المُعتدل لدى مُختلف المُكوِّنات، و تعزيز الحوار المسيحيّ-المسيحيّ والإسلاميّ-الإسلاميّ، بما يُمهِّد لتأسيس ثقافة مُشتركة قائمة على الاعتراف المُتبادل، ودعم التعدُّديّة السّياسيّة والدّينيّة ضمن إطار الدّولة الوطنيّة، و تطوير قنوات التّواصل بين المشرقيّين في الدّاخل والخارج

شخصيّات دينيّة ومدنيّة.. رؤية نقديّة وتطلُّع إلى التّطبيق

وفي حديثٍ لـ “ملح الأرض “، قال الأرشمندريت د. أغابيوس أبو سعدى، رئيس طائفة الروم الملكيّين الكاثوليك في حيفا، أنَّ المؤتمر رسالة واضحة بأنَّ القيادة الهاشميّة حريصة على ترسيخ التنوّع كمكوّن أساسيّ في مجتمعاتنا، وحضور الأمير إلى جانب القادة الكنسيّين يُعيد التّأكيد على دور المسيحيّين في بناء الحضارة العربيّة، ماضيًا وحاضرًا.

مُضيفًا: “التّوصيات مُهمّة وتضع الإصبع على الجرح، خصوصًا فيما يتعلّق بتغييب المسيحيّين عن مناهج التّعليم، ولكن المطلوب إرادة سياسيّة وكنسيّة جادّة لتطبيق هذه التّوصيات، والتّعامل مع التنوّع بوصفه عنصر قوّة لا عبء، الأمر يتطلّب ثلاثيّة مُتكاملة خطاب مسيحيّ مُتجدِّد يبتعد عن لاهوت التّشاؤم، دولة قويّة عادلة، وخطاب إسلاميّ يعترف بالشّراكة والمُواطنة.

ومن جهة أُخرى أضاف القس د. متري الراهب، لـ”ملح الأرض ” رئيس جامعة الكلمة في بيت لحم، مُعتبرًا أنَّ “التّوصيات شكَّلَتْ نقلة نوعيّة شاملة ومُهمّة جدًّا، لكنّ نجاحها مرهون بجهود جماعيّة من الكنائس والحكومات ومؤسَّسات المجتمع المدنيّ نحن بحاجة إلى خريطة طريق تُترجم الأفكار إلى خطط تنفيذيّة، وإلى توسيع دائرة التّأثير من خلال الإعلام والتّعليم والأنشطة الميدانيّة”.

القس الدّكتور عماد شحاده رئيس الهيئة الإنجيليّة الثّقافيّة -مؤسَّسة الدّراسات اللّاهوتيّة الأردنيّة علّق لـ ملح الأرض قائلًا: “كانَتْ لفتة طيّبة من الأمير حسن بن طلال إقامة لقاء خاصّ يدعو فيه المسيحيّين في المشرق العربيّ للتّعبير عن طموحاتهم للوحدة والتّنوير، وكُنّا نتمنّى أنْ يُحالفنا الحظّ ونُدعى لهذا اللّقاء لكي نُساهِم في توصياته مع باقي رجال الدّين المسيحيّ، خاصّةً لأنّ الفكر الأكاديميّ يُهمُّنا كإنجيليّين، والحقيقة، إنَّه من الصّعب إضافة توصيات أُخرى، حيثُ كان ما طُرِحَ من توصيات شاملًا وواسعًا”.

وأضاف د. شحادة عدد من التّوصيات شاركها مع الموقع وهي: التّركيز على المحور الإنسانيّ، حيث أنَّ الله الخالق قد زرع في الإنسان التشوّق للوحدة والمحبّة باستقلاليّة عن أي خلفيّة سياسيّة أو دينيّة أو عرقيّة أو اجتماعيّة، الدّفاع عن حقّ صاحب الرّأي الآخر بالتّعبير عن رأيه حتّى ولو كان مخالفًا والسعي الجاد لفهم صاحب الرّأي المُخالف لإيجاد النّقاط المشتركة والبحث عن جسور للتّفاهم. إضافةً إلى إبراز التّشديد المسيحيّ على محبّة الأعداء ومُباركة المُسيئين، وثمَّ الكشف عن تعبيراتها في مجالات أُخرى سواء دينيّة أو فلسفيّة والاستفادة من التُّراث العربيّ المسيحيّ في توضيح تعاليم الفكر المسيحيّ. وتنوير المجتمع العربيّ للتّاريخ الغنيّ من العلاقات المسيحيّة الإسلاميّة، رغم بعض الصّعوبات الّتي مرّ بها مع الكشف عن سبب التّضاؤل المُستمر لعدد المسيحيّين في المشرق، وحثّ الحكومات العربيّة على إيجاد الحلول لجذب عرب المهجر إلى أوطانهم.

وفي السياق ذاته صرّح الناشط المدني عيسى عمرو، مدير مؤسسة “العمل من أجل السلام والعدالة في الشرق الأوسط” في الخليل لـ “ملح الأرض  ” “المؤتمر فاجأني إيجابيًا الطرح الموجود مهم جدًا وقابل للتطبيق، خاصة على صعيد الحوار داخل المكوّن الواحد، سواء بين المسيحيين أنفسهم أو بين المسلمين أنفسهم. نحتاج إلى مزيد من اللقاءات والفعاليات المشتركة، وإلى تبني حكومي وفصائلي حقيقي لما خرج به المؤتمر”.

ما بين “الإنجيل” و”الدولة”… أفق جديد

يشير كُتّاب رأي إلى أنَّ المؤتمر لم يقع في فخ الرّومانسيّة الخطابيّة، بل قدَّم مُعالجات واقعيّة لجذور التّحدّيات، لا سيّما حين شدَّد على العلاقة بين الحقوق السياسيّة للمواطنين والاعتراف بهويّتهم الدّينيّة والثّقافيّة، وعلى أنَّ المشرقيّة ليسَتْ انتماءً طائفيًّا بل رؤيةً إنسانيّة وحضاريّة قائمة على التعدُّد والانفتاح.

كما لقيَتِ التّوصية بإحياء الشّراكة بين الكنائس المشرقيّة صدى واسعًا، بوصفها مدخلًا لإعادة توحيد الصّوت المسيحيّ المشرقيّ في مواجهة التّحدّيات المُشتركة، وتفعيل حضوره في المحافل السّياسيّة والاجتماعيّة، من دون الوقوع في الخطاب الانعزاليّ أو التحزّب الدّينيّ.

قد لا تكون التّحدّيات الّتي تواجه المسيحيّين في المشرق جديدة، لكنّها باتَتْ أكثر تعقيدًا، في ظلّ التّغيرات الجيوسياسيّة والتحوّلات المُجتمعيّة المُتسارعة ومع ذلك، فإنَّ هذا المُؤتمر قد يكون بداية مرحلة جديدة، يُعاد فيها رسم معالم الحضور المسيحيّ على أُسس المُواطنة والعدالة والانخراط الفاعل في بناء مُستقبل مُشترك.

المطلوب اليوم ليس الاكتفاء بالتّوصيات، بل ترجمتها إلى سياسات تربويّة وثقافيّة واجتماعيّة، في ظلّ إرادة سياسيّة حقيقيّة، وإيمان من المسيحيّين أنفسهم بأنَّ “الرّجاء” يمكن أنْ يكون مشروعًا جماعيًّا يُخرجهم من دوائر العُزلة إلى رحابة الدّور والتّأثير.

للاطلاع على التوصيات

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment