Skip to content
Skip to content

المدارس المسيحيّة في مناطق ال 48 حضورٌ، تحدّياتٌ وإنجازات – دراسة مُعمّقة للمُربّي د. عزيز دعيم

عدد القراءات: 1318
تاريخ النشر: يوليو 8, 2025 11:01 ص
صورة لمجموعة معلمات ومعلمين من مديري المدارس المسيحية في مؤتمر الوزارة الخاص بالإدارة التربوية،

صورة لمجموعة معلمات ومعلمين من مديري المدارس المسيحية في مؤتمر الوزارة الخاص بالإدارة التربوية،

كتبَ لـ ملح الأرض- الأستاذ عزيز سمعان دعيم

المدارس المسيحيّة في رؤيتها هي نورٌ على منارةٍ في عالمٍ مُضطربٍ ومُتقلِّب الأطوار، وفي رسالتها هي مؤسَّسة خدماتيّة تربويّة -تعليميّة، تخدم كلّ أبناء مُجتمعها، بدون أيّ تميّيز لتُقدِّم للجميع أفضل تربية وأروع تعليم، لتساهم في بناء أطفال المُجتمع، لإعدادهم ليكونوا قادةً من رجالٍ ونساء، يسعون بكلّ جديّة لتحقيق مُستقبلٍ أفضل لحياتهم ومُجتمعهم وعالمهم. المدارس المسيحيّة في غالبيّتها هي وليدة إرساليّات، كانَتِ السبّاقة في بناء مدرسة بجانب كلّ كنيسة، إضافةً لمُستشفيات وعيادات طبيّة خدمَتْ كلّ أطراف المُجتمع، فكان هدفها تجسيد حضور يسوع المسيح في مجتمعنا، من خلال شهادةٍ مسيحيّةٍ طيبةٍ، تعيش فيها رسالة الرّبّ يسوع المسيح، بشكلٍ مؤثّرٍ في الحياة العمليّة واليوميّة، وتسير على خُطى آثار أقدام الرّبّ يسوع، لتكون ملح الأرض ونور العالم.

المطران يوسف متى المسؤول عن اكثر المدارس المسيحية

حقًّا، منذ قرونٍ عديدةٍ قامَتْ مُختلف الإرساليّات المسيحيّة بتأسيس أفضل المدارس والمُستشفيات والعيادات الطبيّة لخدمة سكّان هذه الأرض، جنبًا إلى جنبٍ مع الكنائس والأديرة الّتي تُعلِنُ حضور الرّبّ يسوع المسيح في المُجتمع، فهو ما زال من خلال عمل نعمته في أولاده وبناته “… يَطُوفُ الْمُدُنَ كُلَّهَا وَالْقُرَى يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهَا، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ فِي الشَّعْبِ. وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا.” (متى 9: 35 و36).

المطران رفيق نهرا، الأسقف المسؤول عن مدارس اللّاتين

يقول المُطران رفيق نهرا، الأسقف المسؤول عن مدارس اللّاتين، في هذا الصدد، “وصيّة الرّبّ يسوع الأخيرة في إنجيل متى هي: «… فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ… وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ…” (متى 28: 18 -20)، لذلك ترى الكنيسة عملَ التّربية والتّعليم كقسمٍ أساسيّ من رسالتها، فتهدفُ المدارس المسيحيّة لتربيةٍ شاملةٍ للأطفال، ذهنيًّا، أخلاقيًّا وروحيًّا”.

تعتبر الأمينة العامة لمكتب المدارس المسيحيّة، الأخت الرّاهبة منار سوني، أهمّيّة وجود المدارس المسيحيّة بكونها “ركيزة أساسيّة في تعزيز الحضور المسيحيّ في بلادنا، فهي تزرع الانتماء، وتقوّي ارتباط النّاس بأرضهم وجذورهم وهويّتهم. من خلالها يتجدد الرّجاء، ويترسَّخ الإيمان، ويثبت المسيحيّون في أرض الآباء. إنّها حقًّا ملح الأرض ونورها، تنير الدّرب، وتُبقي شعلة الوجود المسيحيّ مُتّقدة في مهد الرّسالة.”

الكلية الارثوذكسية العربية- حيفا

وأشار الأبّ عبد المسيح فهيم، الأمين العام السّابق للمدارس المسيحيّة في إسرائيل لدور المدارس المسيحيّة في التّربية بقوله: “إنَّ التّربية الصّحيحة هي أساس المُجتمع السّليم، فالتّربية تُشكِّلُ أفرادًا خلوقين، وأُسرًا سليمةً مُتكاتفةً، ومُجتمعات مُتوازنة تحترم بعضها البعض، وباختصار هي ليسَتْ فقط أساس المدينة الفاضلة، بل العالم الأمثل.”

المدارس المسيحيّة: لمحة معلومات

المدارس المسيحيّة هي مدارس تُديرها مؤسَّسات كنسيّة أو رهبانيّة أو جمعيّات مسيحيّة، بهدف تأمين تربية أبنائها وفق الإيمان المسيحيّ، المبني على الكتاب المُقدّس وتعاليم الكنيسة، وتنمية التّعايش بين أبناء المُجتمع الواحد المُتعدّد الدّيانات.

من اليمين لليسار: مديرة المدرسة الابتدائية المربية آن حداد، مديرة المدرسة الثانوية المربية ربى كردوش، المربي عزيز بنا، المربي اياد حنا، المدير التنفيذي المحامي بطرس منصور،مفتش المدارس الكنسية في اسرائيل الشماس جريس منصور
من اليمين لليسار: مديرة المدرسة المعمدانية الابتدائيّة المربية آن حداد، مديرة المدرسة الثّانويّة المربية ربى كردوش، المربي عزيز بنا، المربي إياد حنا، المدير التنفيذيّ للمدرسة المعمدانية المحامي بطرس منصور،مفتّش المدارس الكنسيّة في اسرائيل الشمّاس جريس منصور

عدد المؤسَّسات التّربويّة والمدارس المسيحيّة في البلاد (الجليل) هو 62 مؤسَّسة تربويّة في كلِّ مراحل التّعليم، بحسب المعلومات الرّسميّة لدى الشمّاس جريس منصور، مُفتِّش المدارس المسيحيّة من قِبَلِ وزارة التّربية. مُعظم هذه المدارس موجودة في مدينة النّاصرة، مدينة البشارة، حيثُ يتعلَّم في مدارسها المسيحيّة حوالي 50% من طلّاب البلدة من مسيحيّين ومُسلمين، تليها المدارس المسيحيّة في مدينة حيفا، حيث يتعلَّم فيها حوالي 70% من طلّاب المدينة العرب وتستقطبُ طلَّابًا من مدنٍ أُخرى. عامّةً تتركَّز المدارس المسيحيّة في منطقة الجليل وحيفا، وبعض منها في مركز البلاد (في مدينتي يافا والرّملة على سبيل المثال).

تعتبر هذه المدارس، مدارس خاصّة أو أهليّة، وبصيغةٍ رسميّة “مدارس مُعترف بها غير رسميّة”، فهي مدارس مُعترف بها من قبل وزارة التّربية والتّعليم الإسرائيليّة وتقوم الوزارة بتمويلها بشكلٍ جزئيّ في المرحلة الابتدائيّة وبشكلٍ أكبر في المرحلة الثّانويّة، وهي تمتثل لتعليمات ومناهج وامتحانات الوزارة، ويُطلب من المدارس الابتدائيّة المسيحيّة تعليم 75% على الأقل من “خطّة النواة”، ولكنَّها غالبًا تُعلِّم “خطّة النواة” بنسبة تفوق الـ 100%، كما أنَّها غالبًا لها حرّيّة أكبر في اختيار طلَّابها. مُعظم طلَّابها (حوالي 65%) هم من المسيحيّين، أمّا الباقون فهم من المسلمين ومن الدّروز، وأحيانًا عددٌ قليلٌ من اليهود (في مدارس منطقة المركز)، وبالطّبع تتغيَّر النّسبة من مدرسةٍ لأُخرى، فهنالك أيضًا مدارس مسيحيّة مع أغلبيّة طلَّاب مُسلمين.

بادر مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكيّة في الأرض المُقدّسة عام 1992 بتأسيس مكتب الأمانة العامّة للمدارس الكنسيّة في إسرائيل، وكان عدد المدارس التّابعة للكنائس والرّهبانيّات الكاثوليكيّة 39 مدرسة، وانضمَّتْ للمكتب تدريجيًّا المدارس غير الكاثوليكيّة في عام 2010 (منها: المدرسة المعمدانيّة، مدرستان تابعتان للكنيسة الأسقفيّة (الأنجليكانيّة)، أربعة مدارس تابعة للجمعيّات أو الكنيسة الأرثوذكسيّة، مدرسة تابعة للكنيسة الأسكتلنديّة وغيرها). بما أنَّ أكبر تجمُّع للمدارس المسيحيّة هو في مدينة البشارة، فقد تقرَّر أنْ تكون مدينة الناصرة مقرّ الأمانة العامّة. عمومًا تحتضن المدارس المسيحيّة حوالي 30000 تلميذ/ة وحوالي 2000 معلّم/ة وموظّف/ة (عن مقابلة للأبّ عبد المسيح فهيم في كتاب “عيون على السّلام” 2022).

(من يمين الصورة إلى اليسار): الشمّاس جريس منصور (مفتّش المدارس المسيحيّة)، السيّد أولبستون (مفتّش السكرتارية التربويّة)، الأستاذة نجلاء جنحن (مديرة مدرسة مار ميخائيل في يافا)، الأستاذ باسم جمال (مدير مدرسة راهبات الناصرة حيفا)، الأستاذ عزيز دعيم (مدير مدرسة مار يوحنا الإنجيليّ سابقًا في حيفا)، الأستاذة آنا كرام (مديرة مدرسة الكرمل حيفا)، الأستاذة جيزيل أبو أيوب (مديرة مدرسة الكرملين الإيطاليّة في حيفا).

يذكر تقرير دائرة الإحصاء المركزيّة (الصادر عشيّة عيد الميلاد 2024) أنّ عدد الطلَّاب المسيحيّين الّذين تعلَّموا في مراحل التّعليم الابتدائيّة وفوق الابتدائيّة (في المدارس المسيحيّة والحكوميّة معًا) في إسرائيل في السّنة الدّراسيّة (24/2023) كان 26417 تلميذ/ة، أي نسبة (1.3%) من مجموع كلّ التّلاميذ في المُجتمع العربيّ والعبريّ معًا، وأنَّ المجموعة الأكبر من الطلَّاب المسيحيّين في إسرائيل هم مسيحيّون عرب (86.2%) ويكوّنون نسبة (4.7%) من الطلَّاب في التّعليم العربيّ في البلاد. في حين أنَّ نسبة طلّاب الثّواني عشر المسيحيّون كانت (5.9%) من طلّاب الصّف الثّاني عشر في التّعليم العربيّ في إسرائيل في ذات العام الدراسيّ.

المدارس المسيحيّة: صعوبات وتحدّيات

أكبر عدد من المدارس والمؤسَّسات المسيحيّة الّتي تخدم كلَّ الأجيال، من صفوف الطفولة المُبكرة وحتّى الثّانويّات، مُتواجدة في أبنية غير عصريّة، تفتقر للعديد من المرافق الضرورية، مثل: ساحات واسعة وأماكن خضراء، قاعات رياضيّة مناسبة، مراكز تعليميّة عصريّة، وملاجئ أو قاعات آمنة (لسلامة وأمان الطلّاب في حالات الطوارئ الشّائعة بتواتر لا مثيل له في بلادنا)، وغيرها.. كذلك الأمر بخصوص صيانة هذه المباني وتطوير البُنى التّحتيّة والتكنولوجيّة والمرافق الهامّة، وهذه التّكاليف الكبيرة تقع على مسؤوليّة وميزانيّة الكنائس والأديرة والمؤسَّسات والمُتبرّعين لهم، وهي تكاليفٌ باهظة جدًّا، لا تُساهم فيها المؤسَّسات الرّسميّة.

من خلال حوار مع سيادة المُطران يوسف متّى (الأسقف المسؤول عن المدارس التّابعة للرّوم الملكيّين الكاثوليك)، ومع الأستاذ أشرف جبّور (المسؤول البيداغوجي باللّجنة التربويّة لمدارس مطرانيّة الملكيّين الكاثوليك في الجليل)، إضافةً لمعرفتي وخبرتي اليوميّة في هذا الصدد على مدار أربعة عقود، ألخّص فيما يلي مجموعة صعوبات وتحدّيات جوهريّة أساسيّة تواجه المدارس المسيحيّة وخاصّةً الابتدائيّة منها، فالمدارس المسيحيّة تواجه إجحافًا مُميَّزًا في ميزانيّاتها (كمدارس مُعترف بها وغير رسميّة / غير حكوميّة) يُشتم منه، وأحيانًا يُقال بفم ملآن من مسؤولين رسميّين، أنّهم يريدون تجفيفها.

المُطران حسام نعوم يلتقي أسرة مدرسة المسيح الأسقفيّة- الناصرة

نموذج من التحدّيات الّتي تواجه المدارس المسيحيّة الابتدائيّة:

  • الإقصاء من إصلاح “أُفُق جديد”: لم تُدرج المدارس المسيحيّة (كمدارس معترف بها وغير رسميّة) ضمن خطّة إصلاح “أُفُق جديد” الّتي حسّنَتْ شروط عمل المعلّمين وزادت عدد ساعات التّعليم في المدارس الحكوميّة، ممّا عمّقَ فجوة الإمكانيّات المادّيّة بين المدارس المسيحيّة والمدارس الحكوميّة، ممّا أدّى لظهور فروقات في الرّواتب وظروف العمل للمعلّمين، فمعلِّمات المدارس الحكوميّة يتقاضين أجورًا أعلى بكثير ويتمتّعن بظروف عمل أفضل بكثير، في حين بقي الرّاتب المُحدد من قِبَلِ الوزارة لمعلِّمات المدارس غير الحكوميّة راتبًا مُجحفًا يسمّى “راتب العالم القديم”، أي الّذي لم ينتقل لمرحلة “أفق جديد”، ممّا يدفع بالعديد من معلِّمات المدارس المسيحيّة للتفكير بالانتقال إلى القطاع الحكوميّ أو الثانويّ بالرّغم من محبّتهنَّ لعملهنَّ في المدارس المسيحيّة الابتدائيّة.
  • يُضاف لذلك إجحافٌ آخر وهو، تأخير خمس سنوات في إعطاء حقّ “راتب يوبيل” (راتب شهر إضافيّ في السّنة) لمعلّمي المدارس المسيحيّة، إذ يحصل عليه مُعلِّمات المدارس الابتدائيّة المسيحيّة بعد خدمة 30 سنة، في حين تحصل عليه معلِّمات المدارس الحكوميّة بعد خدمة 25 سنة فقط. كما ويُمنع معلّمي ومعلِّمات المدارس المسيحيّة من الخروج للتّقاعد المُبكِّر أسوةً بالزّملاء والزّميلات في المدرس الحكوميّة، وعند خروجهنَّ للتقاعد لا يتمّ دفع أي مبلغ من وزارة التّربية لمعلّمي المدارس المسيحيّة كتعويض مقابل أيّام مرضيّة مستحقّة أسوةً بالزّملاء والزّميلات في المدارس الحكوميّة.
مدرسة يافة الناصرة للّاتين
  • استثناء المدارس المسيحيّة من برنامج “جيفن”: إذ يُخصِّص هذا البرنامج ميزانيّات كبيرة للمدارس (بين 300,000 و 1,000,000 شيكل لكلّ مدرسة سنويًا، حسب عدد طلَّابها) بهدف تعزيز المرونة الإداريّة والقيام بفعاليّات ومشاريع تعليميّة، ترفيهيّة، إثرائيّة للطلَّاب والطّاقم التربويّ التّعليميّ وغيرها.
  • استثناء من “النداءات” الحكوميّة: تستثنى المدارس المسيحيّة الابتدائيّة من النّداءات الحكوميّة لطلب ميزانيّات خاصّةً لتجديد المُختبرات، شراء الحواسيب، أو صيانة البنى التّحتيّة، فهذه النّداءات تكون موجَّهة فقط للمدارس الحكوميّة.
  • زيادة أعباء ماليّة: الزيادة في ساعات التّعليم والأنشطة المتنوِّعة في المدارس الحكوميّة، دفعَتِ المدارس المسيحيّة لتمويل ساعات إضافيّة من ميزانيّتها الخاصّة، إضافةً لأعباء صيانة البنية التّحتيّة، كما ذُكِرَ أعلاه، فمعظم المدارس المسيحيّة مبانيها قديمة، وتتطلَّب صيانةً مُستمرّةً ومُكلفة، ممّا يستهلكُ جزءًا كبيرًا من ميزانيّتها. وهُنا يتجلّى الصّراع بين الاستثمار في “الحجر” والاستثمار في “البشر”، فالرؤيا هي أوّلًا الاستثمار في التّربية والتّنشئة الإنسانيّة والمسيحيّة السّليمة، ولكن التحدّيات الجمّة تُميل الكفّة في كثيرٍ من الأحيان للاستثمار في “الحجر” لضمان سلامة وأمن الطلّاب وتوفير المرافق المناسبة لحاجاتهم.
صورة ارشيفية من اعتصام المدارس في القدس مطالبين مساوة في الأمور الماليّة- 2014
  • رسوم الخدمات الّتي يدفعها الأهالي: نتيجة لفجوة الميزانيّات المجحفة بحقّ المدارس المسيحيّة الابتدائيّة، يدفع الأهالي ثمن جزءٍ لا بأس به من تقصير وزارة التّربية والتّعليم، وبالتّالي ما يُسمّى “رسوم خدمات” يدفعها الأهالي في المدارس المسيحيّة الابتدائيّة، وغالبًا في أقساط شهريّة، تجعل ما يُسمّى بقانون “التّعليم الإلزاميّ المجانيّ” في البلاد، لتعليم مُكلف جدًّا، ومُرهِق لأهالي الطلّاب وخاصّةً حين يتعلَّم أكثر من ابن/ابنة لهم في المدارس المسيحيّة، ممّا يُسبب في كثير من الأحيان صراعات إضافيّة بين الأهالي والمدارس.
  • تحدّيات مُجتمعيّة: في العديد من الحالات تواجه المدارس المسيحيّة عامّةً تحدّيات مُجتمعيّة مركّبة، لها أجندات غريبة، محاولة تحويلها عن رؤيتها ورسالتها الّتي حملتها وتحملها عبر مئات السّنين كمدارس لتعلن حضور المسيح في المُجتمع.
  • التّربيّة للحياة جنبًا لجنب مع التّحصيل العلميّ: مُجتمعنا في هذه الأيّام يُقيّم النتائج التربويّة التعليميّة بالعلامات والدّرجات، وغالبًا مُستعدّ للتضحية بالقيم والمهارات والتوجُّهات السّليمة على حساب تحقيق تحصيل علميّ يضمن للطّالب/ة التّعلُّم الأكاديميّ في المجالات الّتي تتطلَّب تحصيل علميّ عالي، وهُنا من الضروريّ جدًّا ألّا تنجرّ المدارس المسيحيّة وراء المدارس التّحصيليّة فقط، بل تتابع وتطور اهتمامها أكثر فأكثر لضرورة التّربية للحياة بكلِّ مضامينها الواسعة الشّاملة، وضمن منهجيّة مدروسة وملائمة، تشمل إكساب القيم والمهارات الحياتيّة وتعزيز الاتجاهات والمواقف الإنسانيّة، وكذلك مواكبة التّعليم العصريّ، إكساب المهارات التعلُّميّة، تنويع أساليب وطرائق التّعليم والتقيّيم الحديثة، والّذي يشمل المشاريع، والمبادرات العلميّة، والبحث العلميّ والتكنولوجيّ، إضافةً إلى فتح المجال أمام تعليم المِهَن الحُرّة على أُصولها، من أجل تأهيل الطلّاب الّذين قد لا يُدمَجون مُستقبلاً في التّعليم الأكاديميّ العالي. كلّ هذا يتطلَّب وحدة قرار من المدارس المسيحيّة لهذا التحدّي الهام لتغيّير مفاهيم مُجتمعيّة الّتي غالبًا ما تُعتبر المدارس، “مصنع علامات”، لتكون مدارسنا “مشروع بناء الإنسان” بحيث يعمل على التّكامل بين التربية والتّعليم والمُبادرات القيّمة. كما يتطلَّب الأمر تأهيل طواقم التّربية والتّعليم لدمج القيم والمهارات والتوجُّهات السّليمة ضمن تعليم وإكساب المعرفة في المجالات المتنوّعة.

يوجز المُطران رفيق نهرا تحدّيات المدارس المسيحيّة بقوله: “ارتفاع تكلفة المعيشة، انشغال الأهل بالأمور المادّيّة، هيمنة العقلية الماديّة السّائدة في مُجتمعاتنا، تأخُّر الكثيرين من الأهل في دفع الأقساط، مع التضييق من قِبَلِ الوزارات، يجعل عمل المدارس صعبًا ومُعقّدًا في أيّامنا. الحفاظ على مدارسنا الابتدائيّة هو تحدّي كبير، وعلينا التّفكير سويًّا في هذا الموضوع. كما علينا العمل من أجل تأهيل جديّ لمعلّمي الدّين في مدارسنا، لأنَّنا نُعاني من نقصٍ كبيرٍ في تأهيل المسيحيّين، في الجليل خاصّةً، كتابيًّا ولاهوتيًّا”.

المدارس المسيحيّة: إشراقات وإنجازات

بالرّغم من كلّ التحدّيات والإجحاف والصّعوبات الّتي تواجه المدارس المسيحيّة في إسرائيل وتهدف لإضعافها أو تجفيف مواردها أو تحويل وجهتها ولكنَّها ما زالتْ تستقطب الكثير من مختلف أطياف المُجتمع، والطلب عليها يتزايد، وقوائم الانتظار لتسجيل وقبول طلّاب لها تطول، نتيجةً للمناخ التربويّ الثقافيّ الروحيّ الّذي تتميَّز به هذه المدارس، إضافةً للإنجازات العلميّة والتّحصيل العالي.

يقول المطران رفيق نهرا بإيجاز جميل “من أجمل إنجازات مدارسنا هي تربيتها الآلاف من الطلّاب المسيحيّين والمُسلمين، في روح المسؤوليّة وقبول الآخر والعيش المشترك، علمًا أنَّ هذه الروح ضروريّة جدًّا في مُجتمعنا المُختلط.”

مدرسة الكاثوليك في شفاعمرو

فيما يلي بعض من امتيازات وإنجازات المدارس المسيحيّة:

  1. خدمة شاملة ومفتوحة: المدارس المسيحيّة تخدم نسبة عالية من الطلّاب المسيحيّين، وهي مفتوحة أيضًا بكلّ ترحاب للطلّاب المسلمين والدروز.
  2. الحفاظ على الوجود المسيحيّ العربيّ في البلاد على مدار قرون عديدة.
  3. تعزيز الحراك الاجتماعيّ الاقتصاديّ: جودة التّعليم تسهم في تحسين فرص العمل والمستقبل الاقتصاديّ والاجتماعيّ لطلّاب المدارس المسيحيّة ولعائلاتهم.
  4. كلّ المدارس المسيحيّة في إسرائيل اليوم مختلطة، يتعلّم فيها الطلّاب والطالبات معًا، وفي كافّة التخصُّصات: الأدبيّة، الاجتماعيّة، العلميّة والتكنولوجيّة.
  5. نسب استحقاق لشهادة البجروت مرتفعة: يُلاحظ أنَّ المدارس المسيحية تُحقِّقُ أداءً أكاديميًّا مُميّزًا، ممّا ينعكس في نسب النجاح المرتفعة، خاصّةً في استحقاق شهادة البجروت، وشهادة البجروت مع امتياز، مع جودة تعليميّة عاليّة، تؤهِّل طالباتها وطلّابها للقبول في التخصُّصات الجامعيّة المرموقة.

يشير تقرير دائرة الإحصاء المركزية في اسرائيل (الصّادر عشيّة عيد الميلاد 2024) لحقائق إنجازات التّعليم المسيحيّ في البلاد، فيذكر أنَّ نسبة الطلّاب المسيحيين الّذي استحقوا شهادة بجروت كاملة للسنة الدراسيّة (2023 – 2024) كان (86.9%)، ونسبة الطلّاب المسيحيّين الّذي حصلوا شهادة بجروت تمكِّنُهم من دخول الجامعة كانت (76.8%)، مُقابل نسبة (76.0%) في التّعليم العبريّ، وأعلى بكثير من النّسبة لدى الطلّاب الدّروز (64.0%) ولدى الطلّاب المُسلمين (47.6%). كما أنَّ نسبة المسيحيّين الّذين التحقوا بالتّعليم العالي في جامعات مرموقة كانت (43%) من خريجي التّعليم المسيحيّ، مقابل (30%) من مجمل التّعليم العربيّ. وفي إحصائيّات طويلة المدى، يتضح أنَّ نسبة الطلَّاب المسيحيّين الّذين حصلوا على اللّقب الأوّل خلال 8 سنوات من سنة تخرُّجهم من الثّانويّة كانت حوالي (53%)، مُقابل (34.5%) فقط من خريجي التّعليم العربيّ عامّةً، و (47.9 %) من مجموع خريجي التّعليم العبريّ.

طاقم من معلمي المدرسة المعمدانيّة الثّانويّة في النّاصرة مع افتتاح السّنة الدّراسيّة (من اليمين إلى اليسار): المربّيات منى عبود، كيتي مرجية، هناء كسابرة لولو، د. عزيز دعيم (مدير المدرسة)، المربيات ياسمين إلياس، إيمان لحّام، سمر بشارة، الأستاذ عزيز بنا، المربية منال حداد، الأستاذ إياد جاكي.

ختامًا:

حضور المدارس المسيحيّة في البلاد والمُجتمع هو سبب بركة للجميع، فهي تؤهِّل قيادات شبابيّة لصنع مُستقبل مُشرق أكثر، فهي تُربّي على المحبّة والسّلام، على العطاء والخدمة بتفانٍ، تبني الأجيال النّاشئة من خلال تربية وتعليم بامتياز، لبناء الإنسان والمُجتمع والعالم. وعليه تدعو الحكمة في أبسط مفهوم لها، بدعم استمرار حضور وتُقدِّم هذه المدارس بمسيرتها كملح الأرض ونور العالم، وهو هدفٌ مشتركٌ وهامٌّ لكلِّ مُركبات مُجتمع بلادنا، المدنيّة والرّسميّة.

ويؤكِّدُ المُطران يوسف متّى: “أنَّه بالرغم من التحدّيات العديدة والكبيرة، نحنُ بحاجة لنبقى ثابتين في حضورنا وخدمتنا لمُجتمعنا، وعلينا أنْ نتابع التّواصل مع الوزارات في حوار للتوصُّل إلى تفاهم وتحصيل حقوقنا كمدارس مسيحيّة، فالّذي يُطالِبُ بحقِّه لن يضيع هذا الحقّ”.

الكاتب د. عزيز سمعان دعيم مدير سابق لمدرسة مار يوحنا الإنجيليّ الأسقفيّة في حيفا، ومدير سابق للمدرسة المعمدانيّة الثانويّة في النّاصرة.

في الرابط هنا يمكنكم الدّخول إلى صفحة خاصّة عن المدارس المسيحيّة في الأردن والضفّة الغربيّة والدّاخل الفلسطينيّ

من الأرشيف اعتداء على مدرسة راهبات السالزيان والفرنسيسكان وبيان شجب من الأمانة العامّة للمدارس المسيحيّة – الناصرة في 25-3-2023

البيان

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment