Skip to content

الله مهتّم بالنّاس، ليسَ بماذا نُسمّي الضّفّة الغربيّة

تاريخ النشر: مارس 8, 2025 3:52 م
صورة عن المقال الاصلي

صورة عن المقال الاصلي

د. فارس أبو فرحة

المقال مُترجم من المؤلف وقد نُشر باللّغة الإنجليزيّة في موقع كريستشن سينتشيري

برايان ماست، عضو الكونغرس الجمهوريّ من ولاية فلوريدا ورئيس لجنة الشّؤون الخارجيّة في مجلس النوّاب، أصدر توجيهًا في 26 فبراير لموظّفي اللّجنة يقضي بالإشارة إلى الضّفّة الغربيّة حصريًّا باسم “يهودا والسامرة”، وفقًا لمذكّرة داخليّة حصلَتْ عليها شبكة الأخبار ” Axios”. وعلى الرّغم من أنَّ هذا التّوجيه لا يُمثِّل تغييرًا رسميًّا في سياسة الولايات المتّحدة، إلّا أنَّه يُشير إلى تصاعد الدّعم بين المُشرّعين لضمّ إسرائيل للأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة. ويؤكِّد النُّقّاد أنّ هذا التحوّل نحو استخدام لغة توراتيّة سيعزز التطرُّف على الجانبين ويجعل تحقيق السّلام التفاوضيّ أكثر صعوبة.

الأمر لا يتعلق فقط بإعادة تسمية منطقة جغرافيّة، بل هو محاولة لإعادة تأطير صراع سياسيّ على أنَّه حرب دينيّة. إنَّه اختزال لصراع مُستمرّ منذ 76 عامًا إلى معركة سطحيّة بين الخير والشرّ، بدلًا من السّعي لفهم جذوره الحقيقيّة. هذا التوجُّه ليسَ فقط متهوِّرًا، بل هو وهمٌ خطيرٌ يبرّرُ الاحتلال غير القانونيّ ويُشيطنُ الضحايا وكأنَّهم أعداء.

لقد كان الصّراع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ دائمًا يدور حول قضايا الأرض والحقوق الإنسانيّة، لكنَّ الصّهاينة المسيحيّين مثل ماست يسعون إلى إعادة كتابته ليبدو كأنَّه صراعٌ توراتيّ بين الله وأعدائه. وعندما يتمّ تأطير الصّراع بهذه الطّريقة، يصبح التوصُّل إلى حلٍّ وسط مُستحيلًا. فكيف يمكن التّفاوض مع شخص يدّعي أنَّ لديه حقًّا إلهيًّا في الأرض؟ لا يمكنك ذلك. وهذا هو بيت القصيد.

توجيه ماست ليسَ مُجرَّد موقف سياسيّ، بل هو خطوة محسوبة تستخدم الكتاب المُقدّس كسلاح أيديولوجي، حيث يتمُّ تحريف النّصوص المُقدّسة لتبرير التّوسُّع السّياسيّ. وبدلًا من التّرويج للأسماء الكتابيّة، ينبغي على صانعي السّياسات الدّعوة إلى المبادئ الكتابيّة-السّلام والمُصالحة والعدالة. لو كان ماست وحلفاؤه يعاملون الكتاب المُقدّس بأكثر من مُجرّد كونه أداة سياسيّة، لكانوا يدافعون عن كرامة الإنسان، بدلًا من ترسيخ سياسات تُجرِّد شعبًا بأكمله من إنسانيّته. الكتاب المُقدّس ليسَ صكّ ملكيّةٍ سياسيًّا أو مُبرّرًا للتّوسُّع القوميّ. بل يدعونا لنكون صانعي سلام، لا مُحرّضين؛ وللبحث عن العدالة، لا لمحو شعب من أرضه.

هذا هو نفس برايان ماست الّذي وقف تحت قبّة الكونغرس عام 2023 وأدلى بالتّصريح المشين التّالي: “لا أعتقد أنّنا كُنّا سنستخدم مُصطلح ‘مدنيّين نازيّين أبرياء’ خلال الحرب العالميّة الثّانية. وليسَ من الصّعب أنْ نقول إنَّ هناك عددًا قليلًا جدًّا من المدنيّين الفلسطينيّين الأبرياء.” قال هذا بينما كان يقوم بحملة منع وصول المساعدات الإنسانيّة إلى غزّة-في وقتٍ كان فيه الأطباء في غزّة يُجرون عمليات بتر للأطفال دون تخدير بسبب نقص الدّواء، وكانت العائلات تُدفَنُ تحتَ الأنقاض. بالنّسبة لماست، مُجرّد فكرة وجود فلسطينيّين أبرياء تبدو صادمة. والآن، هذا الرّجل نفسه يحاضِرنا عن التّاريخ الكتابيّ.

لدى الشّعب اليهوديّ الحقّ في العيش بسلام وأمان في أرض أجدادهم، تمامًا كما أنَّ للفلسطينيّين الحقّ في الكرامة وتقرير المصير في أرضهم وأرض أجدادهم. تحقيق السّلام العادل يتطلّب احترام كِلا الحقين، وليسَ فرض أحّدهما على حساب الآخر.

لكن هذا النّوع من القوميّة الدّينيّة ليسَ فقط خطيرًا، بل هو انحراف لاهوتيّ. فهؤلاء السّياسيّون الّذين يدّعون الدّفاع عن الحرّيّة الدّينيّة يتجاهلون المسيحيّين الفلسطينيّين الّذين عاشوا في هذه الأرض منذ زمن المسيح. أينَ استنكارهم لتدمير كنيسة غزّة المعمدانيّة، الّتي نشأت فيها زوجتي؟ أين قلقهم على العائلات المسيحيّة الّتي تحتمي في كنائس غزّة؟ أين غضبهم من قيام إسرائيل بمصادرة وبيع ممتلكات الكنيسة الأرمنيّة في القدس—وهي مملوكة منذ 1700 عام—بسبب نزاع ضريبيّ؟ وأين قلقهم من أنَّ المسيحيّة تختفي من المكان الّتي انطلقت منه؟.

وماذا عن الأصوات اليهوديّة الّتي يتجاهلونها؟ لأنَّ هناك حقيقة أُخرى يرفض ماست الاعتراف بها: العديد من اليهود الإسرائيليّين يرفضون هذه الرّؤية القوميّة الدّينيّة. فقد حذّرَتْ منظّمات مثل “السّلام الآن” و”بتسيلم” و”حاخامات من أجل حقوق الإنسان” لسنوات من أن تسخير الدّين لتبرير الاحتلال يُهدّد مُستقبل إسرائيل. كما وصف كُتّاب إسرائيليّون بارزون مثل عاموس عوز وديفيد غروسمان حركة الاستيطان بأنَّها خيانة للقيم اليهوديّة. بل وحتّى العديد من اليهود المسيحيّين—الّذين يجمعون بين التّراث اليهوديّ والإيمان بأنَّ يسوع هو المسيح—يدافعون عن المُصالحة والتّعايش بدلًا من القوميّة الدّينيّة. لكنّ هذه الأصوات تُقمع من قبل المُتطرّفين الّذين يحددون الهويّة اليهوديّة بناءً على التّوسُّع الإقليميّ، وليسَ على أساس الإيمان أو القيم الأخلاقيّة.

عندما يُعلن قادة إسرائيل أنَّ لهم “مُلكيّة إلهيّة” على الأراضي الفلسطينيّة، فإنَّهم يُغذون دعاية الجماعات الإسلاميّة السّياسيّة المُتطرِّفة، ممّا يُعزِّز إدعاءاتهم بأنَّ الأمر لا يتعلّق بالحدود أو الحقوق، بل بحرب مُقدّسة بين الإسلام والغرب. هذا النّوع من الخطاب يقوّي المُتطرِّفين، ويقوض الحلول الدّبلوماسيّة، ويجعل التّعايش أكثر صعوبة. ماست لا يضعف الجماعات المُتطرّفة بهذه الطّريقة—بل يمنحها الوقود اللّازم لدعايتها، ويُقدِّم لها الخطاب الّذي تستخدمه في تجنيد الأتباع والتّحريض على العنف تحت شعار الحرب الدّينيّة.

هذا ليس قيادة فعّالة، بل تحريض مُتهوِّر. ونحن كمؤمنين بيسوع المسيح، يجب أن نرفض القوميّة الدّينيّة ونتبنّى المبادئ الكتابيّة الّتي تتمحوّر حول المسيح. فالسّلام الحقيقيّ لا يتحقَّق بإعادة تسمية الأراضي أو إعادة كتابة التّاريخ- بل من خلال العدالة والتّواضع والمحبّة المُضحيّة الّتي أظهرها يسوع المسيح لكلّ العالم. إلى أن يُدرك قادة مثل ماست هذه الحقيقة، لن يكونوا فقط على الجانب الخاطئ من التاريخ، بل سيكونون في موقفٍ مُعارضٍ لإنجيل السّلام.

د. فارس إبراهيم أبو فرحة فلسطينيّ-أمريكيّ من مواليد بيت ساحور، مؤسِّس ومدير عام “خدمات المشرق” (Levant Ministries) وأستاذ مُساعد في جامعة ليبرتي الأمريكيّة.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

Skip to content