
السابق حلّ الإشكال بين المحكمة البدائيّة اللّاتينيّة في عمّان وعدد من المحامين

عمّان – فقدت الأسرة القضائية والثقافية الأردنية أحد أبرز رجالاتها برحيل القاضي والأديب ماجد ذيب غنما، الذي انتقل يوم الاثنين الموافق 27 تشرين الأول 2025 عن عمر ناهز التاسعة والتسعين عامًا، بعد حياة حافلة بالعطاء في ميادين القانون والأدب والفكر.
وُلد الراحل في بلدة الحصن عام 1926، وتلقى تعليمه الثانوي في مدرسة السلط، قبل أن يحصل على إجازة الحقوق من جامعة دمشق، حيث تتلمذ على أيدي كبار رجال القانون في ذلك العصر، من أمثال فايز الخوري ومصطفى الزرقاء ورزق الله الأنطاكي وسامي الميداني.

بدأ مسيرته المهنية في المحاماة في مدينة إربد، ثم عُيّن رئيسًا لبلدية الحصن لمدة عامين، قبل أن يعود إلى مهنة المحاماة وينتخب عضوًا في مجلس نقابة المحامين الأردنيين في دورته الثانية عشرة.
في عام 1962 التحق بالسلك القضائي، متنقلاً في درجاته المختلفة، فعمل قاضيًا للصلح ومدعيًا عامًا وعضوًا في محكمة استئناف ضريبة الدخل، ثم مساعدًا لرئيس النيابات العامة في محكمة العدل العليا، ولاحقًا قاضيًا في محكمة استئناف عمّان ورئيس هيئة فيها، كما تولّى منصب النائب العام لعمان، ومفتشًا أول في وزارة العدل، قبل أن يُختتم مساره القضائي في محكمة التمييز ومحكمة العدل العليا التي ترأس فيها هيئات قضائية عليا، إلى أن أحال نفسه إلى التقاعد عام 1994.
تميّز القاضي غنما بثقافته الواسعة وبلاغته اللغوية، إذ انعكست شخصيته الأدبية على صياغة قراراته القضائية التي وُصفت بأنها “أحكام أدبية” تجمع بين الدقة القانونية وجمال التعبير، مما أكسبه احترام زملائه ومحبّة تلامذته.

وفي موازاة عمله القضائي، برع ماجد غنما في الأدب، فكان عضوًا في رابطة الكتّاب الأردنيين وعضوًا في نقابة المحامين الأردنيين، وأصدر عددًا من المؤلفات التي تنوّعت بين القصة والرواية وأدب الرحلات والشعر، من أبرزها:

كما أصدر البنك الأهلي الأردني عام 2006 مجلد أعماله الكاملة، وصدرت حول أدبه دراستان نقديتان لكلٍّ من كايد هاشم ومحمد المشايخ.

نال الراحل وسام الاستقلال من الدرجة الأولى من جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال عام 1996، خلال افتتاح مبنى قصر العدل الجديد في العبدلي، تقديرًا لإسهاماته المتميزة في خدمة القضاء الأردني.
وفي عامي 2015–2017 كرّمته رابطة الكتّاب الأردنيين خلال ندوة خاصة، ومنحته درعها في احتفالها بمرور خمسين عامًا على تأسيسها، عرفانًا بعطائه الأدبي.
شارك القاضي الأديب في عدد من المحافل الدولية، من بينها مؤتمر المحامين العرب في دمشق عام 1957، والمؤتمر الآسيوي الإفريقي في القاهرة في العام نفسه، الذي حضره الزعيم جمال عبد الناصر والأديب طه حسين.
وصفه الكاتب الدكتور محمود عبابنة بأنه “صاحب الصولجانين”، إذ جمع بين قوة المنطق القانوني وحسّ الأديب الشاعري، قائلاً إن “أحكامه كانت تُقرأ كما تُقرأ المقطوعات الأدبية، ورؤيته القانونية كانت تستنير بالعدالة والإنسانية”.
ترك الفقيد أثرًا طيبًا في نفوس زملائه وتلامذته وأبنائه الذين ساروا على دربه في مجالات الطب والهندسة والمحاماة والصيدلة، مستلهمين منه حبّ العلم والالتزام بالحق.
القاضي والأديب ماجد ذيب غنما، الذي غادر الحياة بهدوء كما عاشها، تاركًا إرثًا خالدًا في صفحات القضاء الأردني وأدب الرحلات والقرية، وبصمة إنسانية خالدة في ذاكرة الوطن.


تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!