
السابق الأخوية المريمية تجدد عهدها في عيد الحبل بلا دنس- صور

داود كُتّاب– ملح الأرض
عمّان – أحيت الطائفة المعمدانيّة الأردنيّة، مساء الجمعة 5 كانون الأوّل في العاصمة عمّان، في قاعة المدرسة المعمدانيّة الذّكرى الـ1700 لانعقاد مجمع نيقية التاريخيّ (325–2025)، وذلك في احتفالٍ كنسيٍّ واسعٍ أقيم تحت رعاية رئيس الطائفة الإنجيليّة في مصر، القسّ الدّكتور أندريه زكي، وبمشاركة عددٍ من رؤساء الطوائف والقيادات الروحيّة من الكنائس الإنجيليّة في الأردن.
وشهد الاحتفال حضورًا حاشدًا من أبناء الطائفة المعمدانيّة ومن مختلف الكنائس الإنجيليّة، وآباء من الكنيسة الكاثولكيّة واللّاتينيّة في الأردن الّذين اجتمعوا في أجواء روحيّة مهيبة رُفعَتْ خلالها الصّلوات والتّسابيح. وقدّم فريق “ألحان الرجاء” ترانيم خاصّة حملت أبعادًا لاهوتيّةً وروحيّةً تتناسب مع هذه المناسبة الّتي تعدّ من أهم محطّات التّاريخ المسيحيّ.

وفي كلمته الرئيسيّة، استعرض القس الدُّكتور أندريه زكي التحدّيات الّتي واجهتِ الكنيسة في القرن الرّابع، مُشيرًا إلى أوجه الشّبه بينها وبين التحدّيات الرّاهنة، خاصّةً في ظلِّ تأثير وسائل التّواصل الاجتماعيّ الّتي ـ رغم إيجابيّاتها ـ تساهم أحيانًا في “تشويش الفكر وإرباك التّعليم”.
وقال زكي إنَّ الكنيسة اليوم: “مدعوّة إلى التمسُّك بتعليمٍ واضحٍ غير متذبذبٍ”، تمامًا كما حدث في مجمع نيقية حين انقسم المسيحيّون بين مؤيّدٍ ومعارضٍ، وامتدّ الانقسام إلى الأساقفة والرعيّة. وأضاف: “كما وحّد مجمع نيقية الكنيسة حول أساسٍ واحدٍ هو المسيح، نحن اليوم بحاجةٍ إلى لغةٍ لاهوتيّةٍ دقيقةٍ، وحوارٍ واسعٍ، ومنصّاتٍ مُشتركةٍ تجمع القادة الروحيين لمواجهة الانقسامات الفكريّة والجيليّة داخل الكنيسة الواحدة”.
وتوقَّف زكي عند الضغوط الخارجيّة الّتي تتعرَّض لها الكنائس عالميًّا، سواء كانت تشريعيّة أو ثقافيّة أو إعلاميّة، داعيًا إلى التّعامُل معها بـ”حكمة دون التّنازل عن جوهر الإيمان”. كما أشار إلى أهمّيّة الاستفادة من منهجيّة مجمع نيقية الّذي جمع 318 أسقفًا وخرج بقانون إيمانٍ موحّدٍ، مؤكِّدًا أنَّ “قانون الإيمان لم يكُن نتاج فردٍ، بل ثمرة جماعةٍ”.
وأوضح أنَّ على الكنيسة اليوم إعادة قراءة قانون الإيمان النيقوي بلغة العصر الرقميّ دون تغيير مُحتواه، واستخدام لغةٍ واضحةٍ لشرح العقيدة في زمنٍ “تسوده الضبابيّة والارتباك الأخلاقيّ والفكريّ”. حاسمةً في ما هو أساسيّ وجوهريّ، وإلى ربط الإيمان بالممارسة العمليّة، تمامًا كما فعل آباء الكنيسة الأوائل حين أصدروا قوانين تنظيميّةٍ تحكم الحياة الكنسيّة. المعروف أنَّ الطّائفة الإنجيليّة في مصر يصل عددها إلى مليون ونصف مصري ولديها 1500 كنيسة ومقرّ مؤتمرات وتحظى باعترافٍ ومعاملةٍ رسميّةٍ من قبل الحكومة المصريّة.
من جانبه، قدّم القس الدُّكتور نبيه عباسي، رئيس الطّائفة المعمدانيّة في الأردن، كلمةً ركَّز فيها على الدّور التّاريخيّ للأردن في احتضان المهاجرين واللّاجئين من مختلف الأعراق والأصول، مُشيرًا إلى أنّ: “الأردن بقبائله وعشائره احتضن عبر القرون كلّ من لجأ إليه، من الآشوريين والكلدان والأرمن والأكراد وغيرهم”، وأنَّ الدولة الأردنيّة الحديثة، بقيادة العائلة الهاشميّة، قدّمَتْ نموذجًا في التّسامح والعيش المُشترك. وقال عباسي: “نحن اليوم، في ظلِّ قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، ننعم بالأمن والاستقرار، ونحتفل بهذه المناسبة المباركة لنؤكِّد ثباتنا على المبادئ الأساسيّة الّتي تُشكّل جوهر إيماننا.”
وأعاد التّأكيد على ركائز الإيمان المعمدانيّ، وهي:
وحذّر عباسي من المدّ اللّيبراليّ العالميّ الّذي يُهدِّد ثوابت الكنيسة، مؤكِّدًا تمسّك الطّائفة المعمدانيّة في الأردن بـ”قدسيّة الزّواج كما وضعه الله بين رجل واحد وامرأة واحدة”، باعتباره موقفاً “ليس اجتماعيًّا أو ثقافيًّا فقط، بل ولاءً صريحًا لكلمة الله الّتي لا تتغير”.
اختُتم الاحتفال برحلة تأمّل تاريخيّة أعادت قراءة أحداث مجمع نيقية وأسبابه، وبالتّأكيد على أنَّ قانون الإيمان النيقوي لا يزال مظلّة جامعة للمسيحيّين من مختلف الطّوائف. وشدَّد المشاركون على أنَّ المجمع لم يبتدع إيمانًا جديدًا، بل أكَّد الإيمان الّذي تسلّمته الكنيسة منذ الرسل، معلنين تمسّكهم بالإيمان بقولهم: “نورٌ من نور، إلهٌ حقّ من إله حقّ، مولودٌ غير مخلوق، واحد مع الآب في الجوهر.”
كما جرى التّأكيد على أنَّ الكنيسة، في عالمٍ سريع التَّغيّر، تحتاج إلى العمل المُشترك، والرّؤية الواضحة، والتّطبيق العمليّ للإيمان، تمامًا كما أرسى مجمع نيقية قبل 1700 عام.

وتمَّ عرض كتاب للقس د. رامي هلسة بعنوان “قراءة كتابيّة في مجمع نيقية” للنّاشر: خدمة النّشر المعمدانيّة الأردنيّة بالشّراكة مع دار الثّقافة المصريّة ودار منهل الحياة اللّبنانيّة تبعه توقيع للكتاب من قِبَل المؤلّف.
وتخلل الاحتفال ترانيم من التراث المسيحيّ العربيّ لفرقة ألحان الرّجاء.



تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!