السابق د. سهيل مدانات يدعو لاحترام أهم مؤسستين اسسهما الله – البيت والكنيسة
رابط المقال: https://milhilard.org/c0ad
عدد القراءات: 495
تاريخ النشر: أكتوبر 15, 2022 11:37 ص
رابط المقال: https://milhilard.org/c0ad
داوُد كُتّاب
فوجئ صديق لي عندما علم أن رعاة الكنائس يحصلون على راتب شهري من مطرانيتهم ورئاستهم الروحية. طبعا الراتب الشهري يأتي من ميزانية الكنيسة المبنية على دخل من التبرعات ورسوم إجراءات المحاكم وبدل استئجار عقارات وغيرها من مصادر الدخل بما في ذلك فوائد بنكية أو استثمارات وغيرها.
الصديق قال لي انه دفع ما مجموعه 200 دينار للخوري الذي قام بكافة مراسم دفن والده. آخرون تم استطلاعها قالوا انه في أبسط القداديس من معمودية او اكليل أو غيرها يتم الدفع بصورة مباشرة وبدون أي وصل استلام ما لا يقل عن خمسين دينار وفي بعض الأحيان الاستثنائية يرفض الخوري فتح الكنيسة قبل أن يقبض مسبقا!!
البعض يعتبر ذلك تبرعًا للكنيسة وهو أمر جيد، ولكن التبرع له شروط منها الحصول على وصل كما ويمكن التبرع لصندوق الكنيسة أو في التقدمة التي يتم تنظيمها في بعض الكنائس في وقت محدد.
المشكلة ليست في مبلغ او طريقة التبرع، بل المصيبة تكمن في غياب الشفافية في الوضع المالي لكنائسنا وغياب أي جهة خارجية تفرض على رئاسة الكنائس أن تقدم على الأقل لرعيتها تقارير سنوية للوضع المالي للكنيسة. الأمر الذي لا يعرفه رؤساء الكنائس أن الشفافية المالية أفضل وسيلة لزيادة التبرعات وتحسن الوضع المالي حيث أن الإفصاح عن التبرعات وكيفية صرفها يعتبر الطريق الأفضل لتوفير الثقة في المؤسسة الكنسية مما يزيد اعداد المتبرعين ومن قيمة التبرع. الشفافية تعني وجود ميزانية معلنه و حتى الرواتب لرعاة الكنائس معروف عنها. فيجب ان تعرف الرعية اذا يحصل الكاهن او القسيس على ما يحتاج لحياة كريمة.
يصعب الامر كثيرا عندما تضطر الكنائس (كما رأينا في بطريركيات تاريخية في القدس من الروم الارثوذكس واللاتين وغيرها) إلى بيع ممتلكات من أجل تسديد ديون ومصاريف غير متوقعة (بعضها سببه هدر أموال وسوء إدارة وحتى الفساد نفسه).
ما يختلف في وضع كنائسنا عن أي مؤسسة أخرى أنه في الغالب لن تدفع رئاستنا الكنسية ثمنًا لغياب الشفافية المالية وعدم الإفصاح عن الوضع المالي. فالحكومات لا تطلب ذلك والرعية في الغالب لن تترك الكنيسة التي ولدت و تعمدت وتزوجت وترعرعت فيها أبا عن جد. لذا فان القيادات الكنيسة تحتمي بالاحتكار والقدرة على رفض طلبات الإفصاح وكشف التقارير دون دفع ثمن يُذكر.
إذا- نحن في حلقة مُفرَغة. فالرئاسات الروحية تحتاج الى المال فتقوم بإجراءات مالية بشكل انفرادي ، مما يسبب انزعاج وغضب، وأحيانا قليلة ترك البعض لكنائسهم بسبب ما يعتقدون أنه سوء إدارة وهدر أموال في أحسن الظروف وفساد مالي في اسوء الظروف.
هذا التخبط المالي يترك الحلقة الضعيفة وهي راعي الكنيسة في وضع لا يحسد عليه. فالراتب من الأبرشية، أو الجهة الروحية العليا، غالبا لا يكفي وهناك في العديد من الكنائس عدم التزام بتوفير ودفع مستحقات الضمان الاجتماعي والتامين الصحي وغيره من اساسيات التوظيف.
قد يقول البعض ان العمل الروحي هو دعوة وليس وظيفة وهذا صحيح، ولكن هذا الكلام لا يفيد عندما يذهب الكاهن مثلا لشراء أساسيات الحياة او حين يحتاج الى عناية طبية. فلا توجد لدينا مستشفيات وعيادات ومتخصصين يقدمون الإعفاء الكامل للمعالجة لرجال الدين وعائلاتهم (رغم وجود البعض ولكنهم قليلي العدد كي لا نعمم).
قد يتطلب الأمر ارتفاع صوت المواطن العادي وأعضاء الرعية، كما وقد يتطلب الامر ان يرفع النواب والاعيان والشخصيات الاعتبارية من المسيحيين الامر في الأطر المختلفة التي يعملون بها.
إن المطلوب من قياداتنا الروحية أن تكون قدوة وشهادة حية في عملهم وامينين وشفافين بما يختص بالأموال التي هم مؤتمنون عليها. بنفس الوقت يتوجب توفير راتب مريح لرعاة الكنائس بما في ذلك الضمان والتأمين الصحي والتقاعد لئلا يصيبهم الضرر ومنعًا لوضع يمدّون أيديهم للرعية لكي يطلبوا المساعدات غير الموثقة قانونيا أو ضريبيًا، علما ان الضريبة توفر إعفاء لمن يتبرع لمؤسسة دينية، ولكن ذلك الإعفاء لا يتم بدون وصل رسمي.
إن لجوء رجال الدين من كهنة وقسوس لتحصيل مبالغ مقابل خدمات يقدمونها هو امر مرفوض وغير مناسب. ولكن يجب أن نوجه غضبنا للمطارنة والبطاركة ورؤساء الكنائس طالبين إياهم بالشفافية الصادقة اذ يقول الكتاب المقدس في سفر أفسس 4 :25 “تَكَلَّمُوا بِالصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ، لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْضِ”.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.