Skip to content
Skip to content

الحرب في الشّرق الأوسط ليسَتْ دينيّة، بل صراع على الهيمنة؟

تاريخ النشر: يوليو 11, 2025 11:35 ص
البروفيسور سليم منّير

البروفيسور سليم منّير


بقلم سليم يعقوب منّير

مُنذ التّصعيد الأخير للتوترات بين الكتلة الإسرائيليّة الأمريكيّة وإيران، لطالما سمعتُ في التجمُّعات الاجتماعيّة أنَّ هذا الصّراع حربٌ دينيّة. وكثيرًا ما تُقابَل محاولات طرح منظور بديل بالغضب أو الرّفض الصّريح. مع ذلك، أودُّ أنْ أطرح وجهة نظرٍ مُختلفةٍ – وجهة نظرٍ يتشاركها العديد من الباحثين والمُحلّلين – تُجادل بأنَّ ما نشهده ليسَ صِراعًا دينيًّا في المقام الأوّل، بل هو صراع على الهيمنة الإقليميّة والعالميّة. كما سأقدِّمُ بعض الرّؤى التوراتيّة للمُساعدة في تأطير هذا الفهم.

على عكس الرّوايات الشّائعة، فإنَّ الحروب والصِّراعات في الشّرق الأوسط ليسَتْ دينيّة في جوهرها. فبينما غالبًا ما يلجأ الفاعلون السّياسيّون إلى الخطاب الدّينيّ والطّائفيّ، فإنَّ الصِّراع الأساسيّ يدور حول السُّلطة والموارد والهيمنة الاستراتيجيّة. المنطقة متورِّطة في صراع على الهيمنة بين قِوى عالميّة، وفاعلين إقليميّين، وتكتُّلات أيديولوجيّة، تتنافس جميعها على تشكيل مُستقبلها.

غالبًا ما يُستخدم الدَّين كأداة سياسيّة أكثر منه سببًا جذريًّا. خذ، على سبيل المثال، الانقسام السنّيّ الشيعيّ. كثيرًا ما تستغلُّ دول مثل المملكة العربيّة السعودية وإيران هذا الاختلاف الطّائفيّ لتبرير طموحاتها الجيوسياسيّة. ومع ذلك، فإنَّ التّنافس لا يُحرِّكه العقيدة بقدر ما يحرِّكه استعراض القوّة، والتّحالفات الاستراتيجيّة، والسّعي وراء النفوذ الإقليميّ.

وبالمثل، لا يمكن اختزال الصِّراعات في سوريا واليمن والعراق، وفي سياقنا الاستعماريّ الاستيطانيّ، في ثنائيّة دينيّة واحدة: الإسلام، واليهوديّة، والمسيحيّة. إنّها صِراعات مُعقّدة على الأرض، والسّيادة، والهوية الوطنيّة، والوصول إلى الموارد. وبينما قد يظهر الدّين في الخطاب، إلّا أنَّه نادرًا ما يكون المُحرِّك الحقيقيّ للصِّراع.

تنخرط قِوى عالميّة، مِثل الولايات المُتّحدة وروسيا والصّين، بعمقٍ في المنطقة، ليسَ لحماية المُعتقدات الدّينيّة، بل لتأمين طُرق الطّاقة، وأسواق الأسلحة، والنّفوذ الجيوسياسيّ. دعمتِ الولايات المُتّحدة كُلًّا من الأنظمة الاستبداديّة والفصائل المُتمرِّدة، تِبعًا لمصالحها المُتغيّرة. تتدخَّل روسيا لحماية حُلفائها وأصولها الاستراتيجيّة. في غضون ذلك، تستثمر الصّين في تحقيق مكاسب اقتصاديّة طويلة الأجل. وتسعى القِوى الإقليميّة، بما في ذلك تركيا وإسرائيل وإيران ودول الخليج، باستمرار إلى الهيمنة في هذا المشهد المُتقلِّب. وهذا يُفسِّر، إلى حدٍّ ما، تواطؤ القوى الغربيّة في الإبادة الجماعيّة الّتي تتكشَّف في غزّة.

ما نشهده إذن ليسَ صراعًا بين الأديان، بل تنافُسًا بين الإمبراطوريّات. قد تُستخدم لغة الإيمان لحشد الشُّعوب أو إضفاء الشرعيّة على العنف، لكنَّ الواقع الأعمق هو رؤى مُتنافسة للسُّلطة والنِّظام والسّيطرة. إنَّ إدراك هذا أمر بالغ الأهمّيّة إذا أردنا تحقيق سلامٍ عادلٍ ودائمٍ في الشَّرق الأوسط.


ما نشهده إذن ليسَ صِراعاً بين الأديان، بل تنافسًا بين الإمبراطوريّات


إنَّ فهم هذه الديناميكيّة يسمح لنا برؤيةِ ما وراء الشِّعارات التبسيطيّة الّتي تُصوِّر الغرب على أنَّه “مسيحيّ” والشّرق على أنَّه “إسلاميّ”. يُساعدُنا هذا على إدراك كيفَ تُوظِّف القوى العالميّة الدّين واللّغة الدّينيّة بسخريةٍ في كثيرٍ من الأحيان لخدمة أجنداتٍ سياسيّةٍ واقتصاديّةٍ.

من منظور كتابيّ، لم يتجاهل يسوع الحقائق السياسيّة في عصره. فبينما عاش تحت الاحتلال الرومانيّ، تناول مُباشرةً طبيعة السُّلطة السياسيّة. وبينما أقرَّ بشرعيّة سُلطة الدّولة – “أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله” (مُرقس ١٢: ١٧)، مؤكِّدًا بذلك التمييز بين السُّلطة السياسيّة والسُّلطة الإلهيّة – أعلنَ أيضًا ملكوت الله، وهو رؤية مُضادّة جذريّة للمُطالبات الإمبراطوريّة بالحُكم المُطلَق (راجع لوقا ٤: ١٨-١٩؛ متى ٥-٧).

أوصى الرَّسول بولس، في سياق الإمبراطوريّة الرّومانيّة، المؤمنين باحترام السُّلطات الحاكِمة (رومية ١٣: ١-٧)، مُعترِفًا بدورها في الحفاظ على النّظام والعدالة. ومع ذلك، فإنَّ إعلانه المُتكرر بأنَّ “يسوع هو الرّبّ” (فيلبي ٢: ١١) كان تخريبيًّا للغاية في مُجتمع طالب فيه قيصر بهذا اللّقب بالذّات. هذا يوحي بموقفٍ دقيق: مُشاركة مدنيّة مقرونة بتحدٍّ نبويّ للسُّلطة الظّالِمة.

في ضوء ذلك، يُدعى المسيحيّون إلى مُقاومة الرّوايات التبسيطيّة الّتي تُغذّي الانقسام، والسّعي إلى فهمٍ أعمق للقِوى الّتي تُشكِّل عالمنا. لن يتحقَّق السّلام والعدالة في الشّرق الأوسط من خلال الشِّعارات الدّينيّة، بل من خلال الحقيقة والفطنة والالتزام بمواجهة الظُّلم بجميع أشكاله – السياسيّة والاقتصاديّة والروحيّة.


الأستاذ الدُّكتور سليم يعقوب منّير مؤسِّس “مُصالحة”، وهي مُنظّمة مُكرَّسة لتعزيز المُصالحة بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين والمُجتمعات المُنقسمة الأُخرى في الشّرق الأوسط. شغل منصب العميد الأكاديميّ في كلّيّة بيت لحم للكتاب المُقدّس لعدّة سنوات، وألّف العديد من الكتب اللّاهوتيّة الّتي تُركِّز على اللّاهوت والمُصالحة والعدالة. يشغل الأستاذ منّير حاليًا منصب منسِّق منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا في شبكة السّلام والمُصالحة (PRN) التّابعة للتّحالُف الإنجيليّ العالميّ (WEA).

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment