السابق إطلاق شعار كشاف اللاتين الجديد: “ثبت خطواتي في كلمتك”
رابط المقال: https://milhilard.org/qezc
تاريخ النشر: ديسمبر 16, 2024 5:14 م
رابط المقال: https://milhilard.org/qezc
رلى السماعين*
هل تأمّلتَ يوماً في جمال التّرانيم البيزنطيّة؟ منذ طفولتي، كنتُ أجدُ في صوت المرنِّم أو راعي الكنيسة المرنِّم شيئاً استثنائيّاً؛ ذاك التّواضع الّذي يرافق انحناءة الرّأس وإغماض العينين، قبل أنْ تخرج الكلمات الموزونة، كلمات المزامير وآيات الكتاب المُقدَّس، محمولة على ألحان تُلامس العقل والقلب معاً.
ترانيم الكنيسة ليسَتْ مُجرَّد ألحان، بل هي شكلٌ عميقٌ من العبادة، تعبيرٌ عن الشّكر، المحبّة، أو طلب الحماية والشِّفاء، وحتّى وسيلة للرّاحة النّفسيّة. هذه التّرانيم، كما تعلَّمنا، عنصرٌ أساسيٌّ في الطّقوس الكنسيّة، حيث ينقل المُرنِّم كلمة الله بشكلٍ يُتيحُ للمؤمن أنْ يعيش أجواء القدّاس بروحانيّةٍ خاصّة.
في حديثٍ خاصٍّ مع المرنِّم الأرثوذكسيّ علاء خليف، رئيس جوقة المرنِّمين في “كنيسة الصّعود” الأرثوذكسيّة في العاصمة، قال أنَّ التّرنيم، خاصّةً أثناء القدّاس، ليسَ مُجرَّد أداء، بل هو طريقة تجعل الكلمة الإلهيّة تنساب إلى أعماق المؤمن. وأضاف خليف بأنَّ هناك فرق كبير بين الغناء، الّذي يُعتبر غذاءً للرّوح، والتّرنيم، الّذي يُقرِّب كلمة الله إلى قلب المُصلّي.
أوضح العلاقة بين “اللّحن” (ميلوس) و”الكلمة” (لوغوس) بأنَّها أساسيّة في التّرنيم البيزنطيّ “إذا انفصلَتِ الكلمة عن اللّحن، يصبح التّرنيم تلقيناً، ويأخذ طابع الطّرب، وهو ما يُفقده روحه. التّرنيم البيزنطيّ يجب أن يُعاش، ليمنح المُرنِّم الإحساس باللّحن الصّحيح”.
وأشارَ خليف الّّذي أتقنَ التّرنيم البيزنطيّ منذ عام 2010 ، إلى خصائص التّرنيم البيزنطيّ، بأنَّه “يتميَّز بالرّصانة والرّكازة، وهو نابعٌ من الرّوح والقلب، بعيد عن الصّخب ورفع الصّوت المبالغ فيه. المرنِّم النّاجح يُبدع بأجمل صوتٍ لديه، ولكن يجب أن يَخرُجَ الصّوت من قلبه قبل فمه”. وأضاف: “الخطأ يحدث عندما يحاول المُرنِّم استعراض قوَّتِه الصّوتيّة، يتحوَّل جهده حينها إلى طربٍ وغناءٍ. الغناء جميلٌ، لكنَّه ليس مُناسباً للكنيسة. التّرنيم البيزنطيّ ليسَ فنًّا موسيقيًّا، بل هو تجربةٌ روحيّةٌ خالصةٌ تُعيد للمؤمن صلته العميقة بالخالق، وتجعل الكنيسة مساحةً للخشوع والتّأمُّل بعيداً عن ضجيج العالم الخارجيّ”.
بحسب الباحث يانيس قنسطنطينيدس، الّذي أجرى دراسةً مُتخصِّصةً حول كنيسة الرّوم الأرثوذكس في مصر والوطن العربيّ، فإنَّ التّرانيم البيزنطيّة تتميَّز بكونها مُجرّدة من الطّرب والغناء، ومحصورة بالخُشوع والعبادة. كما أنَّ هذا النّوع من التّرانيم يعتمد على الصّوت البشريّ فقط دون استخدام الآلات الموسيقيّة، ما يمنحه طابعاً خاصّاً من النّقاء الرّوحيّ.
وتشير الموسوعة البريطانيّة الشّهيرة “بريتانيكا” إلى أنَّ التّرنيمة البيزنطيّة ظهرت كجزءٍ من التّقاليد اللّيتورجيّة للكنيسة الأرثوذكسيّة اليونانيّة خلال الإمبراطوريّة البيزنطيّة (330-1453م)، وتطوَّرت بشكلٍ كبيرٍ خلال القرن السّادس عشر. وقد استُلهمَتْ من الطّقوس العبريّة والمسيحيّة السّوريّة المبكِّرة، وامتدَّت إلى كافّة المناطق النّاطقة باليونانيّة في الإمبراطوريّة الرّومانيّة الشّرقيّة.
يُذكَر بأنَّ منظّمة اليونسكو قد أدرجَتِ التّرانيم البيزنطيّة عام 2019 ضمن قائمة التُّراث الثّقافيّ غير الماديّ، مُشيرةً إلى أنَّها تُمثِّل فنّاً حيّاً منذ أكثر من 2000 عام. ووصفتها بأنَّها نظامٌ موسيقيٌّ شاملٌ وأحّد أبرز مكوِّنات التّراث الموسيقيّ الّذي طوَّرته الإمبراطوريّة البيزنطيّة.
*صحافيّة وكاتبة مختصّة في شؤون الحوارات والسِّلم المجتمعيّ
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.