
السابق راعي كنيسة الفادي في جنين يستنكر حرق مغارة الميلاد وشجرة العيد ويشيد بتضامن أبناء المدينة- صور

بقلم: يزن ملكونيان
حين يُعيد غبطة البطريرك يوحنا العاشر يازجي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، توجيه بوصلة الكنيسة، فهو لا يطرح «فكرة جديدة»، بل يُعيدنا إلى أبسط ما في الإنجيل… وإلى أعمق ما فيه.
في زمنٍ صار فيه كثيرون يقيسون «حيوية الكنيسة» بعدد الحفلات والنشاطات والرحلات والاجتماعات، وربما بحجم المؤسسات والمظاهر، يأتي صوتٌ راعويّ واضح ليقول: ليست هذه هي الأولوية. ليست هذه هي الرسالة الأساسية.

لقد ذكّرنا البطريرك، بوضوحٍ جميل، بكلمات الرب يسوع المسيح لبطرس:
«أتحبّني؟ … ارعَ خرافي».
لم يقل له: نظّم نشاطات، ولا ابنِ مؤسسات، ولا زد عدد الفعاليات… بل وضع معيار المحبة في الرعاية. فالمحبة تُترجم إلى افتقادٍ واحتضانٍ ومتابعةٍ وخلاص نفوس.
وهنا تكمن قيمة هذا التوجيه: أنه يُعيد ترتيب السُلَّم من جديد، ويُعيد تعريف النجاح الكنسي، ويُعيد لصلب الرسالة مكانه الطبيعي: أن نبشّر النفوس، ونربحها للمسيح، ونرعاها كما أوصانا هو.
أن تُبشَّر الكنيسة بيسوع «خلاصًا وسلامًا وفرحًا لكل العالم»، وأن تُترجَم هذه البشارة إلى رعايةٍ حقيقية—خصوصًا في أيامٍ صعبة تحتاج فيها النفوس إلى كلمة رجاء، وزيارة، وطمأنة، وابتسامة، وراعٍ يطرق الباب ليقول: «أنا جئتُ لافتقادكم».
ولعلّ أجمل ما في هذا الطرح أنه لا يُلغي أعمال الخير ولا النشاطات، بل يضعها في موضعها الصحيح: ثمار لا جذور. نحن لا نعمل الأعمال الصالحة لنكسب رضا المسيح، بل لأننا نحب المسيح. وحين يأخذ المسيح مكانه الصحيح في الكنيسة، تأتي الأفعال الأخرى تلقائيًا: أعمال المحبة، وخدمة المحتاجين، وبناء المبادرات… لكنها تأتي كاستجابة للمحبة، لا كبديل عن رسالة الإنجيل.
وما يزيد هذا الصوت قيمةً اليوم أنه يختلف كثيرًا عن أصواتٍ أخرى تُربك البوصلة، وتستبدل جوهر الرسالة بالضجيج. في وسط هذا التشويش، يجيء صوت غبطة البطريرك هادئًا وواضحًا: يُعيد الكنيسة إلى المسيح، وإلى الإنجيل، وإلى الرعاية التي تليق بخراف الرب.
وهو أيضًا صوتٌ يعيد تشكيل الخطاب الكنسي أخلاقيًا وروحيًا: تركيزٌ على الرعاية لا على الاستعراض، وعلى بناء النفوس لا على كسر الآخرين. إنه صوتٌ يرفض كل أشكال الإساءة إلى الآخر، مهما كان اختلافه، ويُعيدنا إلى لغة الإنجيل: الحقّ مع المحبة، والصلابة مع الوداعة، والشهادة مع الرحمة.
وحين تُثبَّت البوصلة على المسيح نفسه، تستقيم باقي الأمور تلقائيًا: تصير أنشطتنا ثمرًا للمحبة، وخدمتنا امتدادًا لنعمة الله، وكلامنا شاهدًا للمخلّص لا ساحةً للخصومة.
من هنا، فإن توجيه البطريرك يوحنا العاشر ليس مجرد وعظٍ عابر، بل نداءٌ لإعادة الكنيسة إلى مركزها: المسيح أولًا، والإنجيل أولًا، ورعاية النفوس أولًا.
وهذا—في تقديري—أحد أصدق أشكال القيادة الروحية اليوم: أن تُعيد الناس إلى ما قاله الرب، لا إلى ما يصفّق له المزاج العام.
احترامًا لغبطة البطريرك، ولأنطاكية وسائر المشرق، ولكل راعٍ أمين، لنجعل سؤال المسيح لبطرس سؤالنا اليوم…
«أتحبّني؟ … ارعَ خرافي».


تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!