السابق لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ – قصة القديسة بربارة
رابط المقال: https://milhilard.org/s3pg
تاريخ النشر: ديسمبر 4, 2024 10:39 ص
رابط المقال: https://milhilard.org/s3pg
رند عماري- ملح الأرض
تتزامن بداية آخر شهرٍ من كلِّ عامٍ مع مناسبةٍ تحمل مذاقاً شهيّاً لدى المسيحيّين. حيث يحتفل مسيحيّو العرب في “الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان” بعيد البربارة في الرّابع من كانون الأوّل حسب التّقويم الغربيّ، وفي السّابع عشر حسب التّقويم الشّرقيّ من كلّ عام.
البربارة كطبق هي عبارة عن قمح مسلوق يتمُّ طبخه حتّى النُّضج، ثمَّ يُضاف إليه القرفة واليانسون والشومر المطحون، والسُّكَّر والمكسّرات كزينةٍ على وجه الطّبق.
وبالإضافة لكونه طبق احتفاليّ، وشهيّ، فهو أيضًا غنيّ بفيتامين “أ”، وفيتامين “ب” ويحتوي على الحديد والكالسيوم والفوسفور ومواد مضادّة للأكسدة، بالإضافة إلى الألياف. وأيضًا يُعطي الشّعور بالدّفء في فصل الشّتاء.
أحاديثٌ وزياراتٌ وانتظارٌ لموسم البربارة:
تحدَّثنا مع بعض السّيّدات عن ذكرياتهم فيما يخصّ عيد البربارة، حيث شاركَتْ ملح الأرض السّيّدة نها صويص لحظات تحضير البربارة في منزلها وقالَتْ: “اعتدنا على تحضير كمّيّاتٍ كبيرةٍ من البربارة في طناجر كبيرةٍ، وإضافة الرُّمّان، والجوز و “الملبّس على قضامة” عليها، وتوزيعها على كافّة الجيران. وفي كلِّ عامٍ ندعو صديقاتِ المدرسة (مُسلماتٍ ومسيحيّات) لتناولها في منزلنا في جبل الحُسين”.
الكاتبة رغدة صويص، مؤلِّفة كتاب “أكلات جدودنا”، تحدَّثَتْ لـ ملح الأرض عن طريقتها في صُنع البربارة، “نقوم بإعداد كمّيّاتٍ كبيرةٍ جدًّا، حيث أفضّل استخدام القمح الكامل (غير المقشور) وذلك لأنَّ القشرة غنيّة بالألياف، لكن البعض يُفضِّل استخدام القمح المقشور لأنَّه يُعدُّ أسهل من ناحية الطّبخ”.
وأضافَتِ السّيّدة رغدة لـ ملح الأرض أنَّ حبّة القمح عندما تُدفن في التّربة، تتفتّح قشرتها وتشقُّ طريقها إلى سطح التّربة وتنمو إلى سنبلةٍ كاملةٍ، وإيماننا أيضًا بأنَّ الإنسان عندما يُدفن تحت التّربة ويتحلَّل، ويقوم بعدها إلى حياةٍ جديدةٍ مع المسيح.
وذكرَتْ أيضًا أنَّ القمح الّذي نستخدمه في عيد البربارة تحت مُسمّى “البربارة”، يتمُّ استخدامه أيضًا تحت مُسمّى “السّليقة” في مناسباتٍ أخرى.
وفي زيارةٍ إلى منزل السّيّدة ريما التّرك، أثناء تحضيرها “البربارة” كعادتها كلّ سنة، وخلال قيامها بتفريغ البربارة في صحون الضّيافة، شاركَتْ معنا شغفها بإعداد هذا الطّبق ومشاركته مع الأصدقاء والأقارب والجيران. حيث قالَتْ لـ ملح الأرض: “إنَّ الأصدقاء يقومون بتذكيرها كلّ عامٍ بإعدادها، لأنَّهم يستمتعون بتناولها في منزلها، فتقوم بالتّحضيرات من أوّل الشّهر وتُخصِّصُ يومًا للأقارب ويومًا آخر للجيران ويومًا ثالثًا للأصحاب”.
وأشارَتْ أنَّ مشاركة البربارة مع الآخرين تعكس محبّة العطاء الّتي هي هبة من الله، كما كانَتْ القدّيسة بربارة مُحِبّة ومِعطاءة لمن حولها.
قصة عيد البربارة
ويُنسب هذا العيد إلى القدّيسة بربارة، وهي إحدى قدّيسات العصور المسيحيّة الأولى. حيث كانَتْ من عائلةٍ وثنيّةٍ، وأوّل من اعتنق المسيحيّة في بلدتها. ويُعتَقد أنَّها هربَتْ إلى مغارةٍ قريبةٍ للاختباء من عائلتها، وهناك تمَّ قتلها على يدِ والدها. وفي روايةٍ أخرى، يقال إنّها حاولَتِ الاختباء من والدها بين حقول القمح، وقد يكون هذا هو السّبب في سلق القمح عند الاحتفال بذكراها. (تفاصيل اكثر عن القديسة بربارة هنا )
وعُرِفَتِ القدّيسة بربارة بلطافتها، وتواضعها ومحبَّتها لكافّة النّاس، وأنَّها قدَّمَتْ حياتها تشبُّثًا بإيمانها المسيحيّ، وعندما نحتفل بهذا العيد ونتناول طبق الحلو الشّهيّ، لنتذكّر دائمًا السّبب وراء هذا الاحتفاء، وليكُن دافعًا لنا للتّمسُّك بإيماننا ورجائنا بإلهنا الّذي يمدُّنا بالعون والقوّة في مواجهة مختلف ظروف الحياة.
ويجدر بالذِّكر أنَّ عيد البربارة هو مناسبةٌ مسيحيّةٌ وليس له علاقة البتّة بمناسبة الهالويين كما يعتقد البعض. فالهالويين لا يَرمز ولا بأيّ شكلٍ من الأشكال إلى الطّقوس المسيحيّة، فهو يمثّل عاداتٍ وثنيّةٍ من خلال التّنكّر بأزياء مخيفة والتّشبُّه بأشكالٍ تُجسِّد في الكثير من الأحيان شخصيّاتٍ شريرةً ومؤذيةً نفسيّا للأطفال ومن يراها.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.