Skip to content
Skip to content

البابا ليو الرابع عشر: قوّة المحبّة لا محبّة القوّة

تاريخ النشر: مايو 9, 2025 12:42 م
البابا ليو الرابع عشر

البابا ليو الرابع عشر

وديع أبو نصّار– خاص ل ملح الأرض

انتخب مجمع الكرادلة مساء الخميس الكاردينال روبرت فرنسيس بريفوست بابا جديدًا خلفًا للبابا فرنسيس الّذي رحل عن هذا العالم في الحادي والعشرين من الشهر الفائت. واختار البابا الجديد اسم ليو الرابع عشر تيمُّنًا بأسلافه الّذين حملوا هذا الاسم، وبما يشير له هذا الاسم من معاني الّتي يجدر التوقّف عندها.

أولًا، اسم ليو، يعني الأسد. لكن ليس المقصود هنا الأسد الّذي يستعمل القوّة المعهودة في العالم، بل أسدًا يستعمل قوّة المحبّة، على مثال مؤسِّس الكنيسة ومُعلِّمها الأكبر يسوع المسيح.

كما أعتقد بأنَّ البابا الجديد اتخذ اسمه تيمُّنًا بالبابا ليو الأوّل الّذي التقى في العام 452 أتيلا الهوني، الّذي غزا أوروبا وأخاف قيصر روما، فذهب البابا لملاقاته بدون جيوش واستطاع إقناعه بعدم التّوجُّه لمحاربة روما.

وهنالك من يقول بأنَّ البابا الجديد اتّخذ هذا الاسم تيمُّنًا بالبابا ليو الثالث عشر الّذي اشتهر برسالته Rerum Novarump الّتي أصدرها في 16 أيار 1891 والّتي اعتبرت كوثيقة مُهمّة الّتي دافعت عن حقوق الطبقة العاملة الّتي عانت آنذاك من الكثير من الاستغلال والتحدّيات.

ثانيًا، هناك من يخشى البابا الجديد بسبب كونه أمريكيًّا. لكن هذه الخشية تنبع من تحليل سطحي للأمور، أوّلًا لأنّها تشمل تعميم للأمريكيّين بصورةٍ تتنافى مع الواقع، وثانيًا، هذه النّظرة تتجاهل بأنَّ البابا المنتخب ترك الولايات المُتّحدة وخدم لأكثر من 25 عام في البيرو في أمريكا الجنوبيّة بعيدًا عن أهله ومُهتمًّا بالفئات الضعيفة والمُهمّشة.

تجدر الإشارة بأنِّ في خطابه الأوّل الّذي ألقاه من شرفة كنيسة القديس بطرس، لم يتحدّث البابا بالإنجليزيّة أو عن أصوله الأمريكيّة، بل تحدّث بالإسبانيّة مُخاطبًا الأبرشيّة الّتي رأسها في الماضي في البيرو.

ثالثًا، يميل الكثير من البشر إلى تفضيل “أحّد منا” على غيره، وهذا أمر طبيعي. لكن هذا التوجُّه لا يتلاءم بالضرورة مع رسالة السيّد المسيح والكنيسة اللّذان يرون وجه الله في كلِّ إنسان. الكنيسة هي جسد السيّد المسيح على الأرض، أي أنّها تشمل الجميع بدون تمييز. لذلك، جميل هو التنوّع بالخلفيّة العرقيّة للبابوات طالما أنّهم يسيرون على مثال الراعي الصالح.

بهذه المناسبة، من المفيد الإشارة إلى ما قاله السيّد المسيح: “الله قادر أن يخلق من الحجارة أبناء لإبراهيم. كل شجرة لا تثمر ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار” (الآيتان 9 و10 من الفصل الثالث من إنجيل متى)، أي أنَّ الله لا ينظر إلى عرق الإنسان، بل إلى ثمره، بالنسبة لله، كلّ البشر أبناء متساويين له.

رابعًا، أشار البابا الجديد في خطابه إلى أنّه “أغسطيني”، أي أنّه ينتمي للرهبنة الأوغسطينية الّتي دعيت على إثر القديس أوغسطينوس الّذي عاش في شمال أفريقيا (354-430).  ومن أبرز مبادئ هذه الرهبنة هي مشاركة ما لديك مع الآخرين، بعكس الكثيرين، خاصّةً من القيادات السّياسيّة المعاصرة، الّذين لا يكتفون بما لديهم، بل يسعوا للحصول على ما هو لغيرهم.

خامسًا، من الملفت الإشارة إلى أنَّ البابا الجديد انتخب بصورة سريعة نسبيًّا، حيث تمَّ الإعلان عن انتخابه في جلسة الاقتراع الثالثة لمجمع الكرادلة وبعد أقل من ثلاثين ساعة على بدء “الكونكلاف”. هذا الأمر يدل على ثقة كبيرة الّتي حظي بها البابا الجديد من الكرادلة، حيث حصل على أكثر من ثلثي الأصوات.

هذا الأمر يعود ربّما للسمعة الطيّبة عنه أثناء خدمته في البيرو إضافةً إلى عمله إلى جانب البابا فرنسيس في الأعوام الثلاثة الماضية كمسؤول عن مجمع الأساقفة.

سادسًا، يخطئ الكثيرون بالتركيز بتعاملهم مع البابا على أنّه رئيس دولة فقط. الخطأ شائع بالأساس بين بعض السياسيين الّذين يتوقعون من البابا أن يدعم طرفًا ضد الآخر، أو أن يتحالف سياسيًا مع محور معين.

البابا هو رئيس أصغر دولة في العالم، لكنه راعي أكبر كيان على الأرض: الكنيسة الكاثوليكية. لذلك، فعندما يتم الحديث عن البابا، يخطئ البعض بالتشديد على الفاتيكان لأن الفاتيكان هو مقر البابا الذى يرأس “الكرسي الرسولي” الذي تمتد سلطته على أكثر من مليار وثلاثمائة مليون من البشر.

لذلك، من المهم الانتباه بأن الغالبية العظمى من مواقف البابوات وتحركاتهم تنبع من كونهم رعاة وليس بالضرورة من كونهم سياسيين. مع أنه علينا عدم تجاهل التأثيرات السياسية على مر العصور، إلا أن الغالبية العظمى من البابوات سعوا ليكونوا رعاة على مثال مؤسس الكنيسة، مع التشديد بأن لكل منهم طرقه ووسائله للعمل، بما يتلاءم مع شخصيته والأوضاع المحيطة به.

لقد اختار البابا ليو الرابع : “رجاء ومصالحة”. أي أنه في عصر يملؤه الاضطراب، يبقى الرجاء موجودا

سابعا، أنصح من يبحث عن موظف بشخص البابا البحث عن موظفين في مكان آخر. فلا يمكن للبابا أن يؤيد الخطأ أو يسكت عليه، خاصة في وقتنا الراهن الذي يشهد فيه العالم تزايدا بعدد الحكام النرجسيين و الشعوبيين الذين يشكلون خطرا ليس فقط على محيطهم، بل أيضا على استقرار العالم كله.

لقد اختار البابا ليو الرابع عشر كلمتين كشعار له: “رجاء ومصالحة”. أي أنه في عصر يملؤه الاضطراب، يبقى الرجاء موجودا، وبالتالي، على مثال السيد المسيح، يريد منح أمل للناس السالكين في الظلمة وللعائشين بخوف وقلق. كما انه يريد تعزيز المصالحة بين البشر، أي أن يبني جسورا مع الجميع وبين الجميع، بطريقة التي تعزز رغبة المسيح أن يحب الإنسان أخاه مثل حبه لنفسه.

لقد استذكر البابا الجديد في خطابه بالأمس مصادفة يوم انتخابه مع عيد “سيدة بومبي”، وهو أحد ألقاب السيدة العذراء. كما أنهى خطابه بصلاة “السلام عليك يا مريم”، التي تطلب من خلالها الكنيسة شفاعة السيدة العذراء.

اضم صوتي الى صوت البابا ليو الرابع عشر بطلب شفاعة السيدة العذراء وبالصلاة إلى العلي القدير أن يسند البابا في مهمته الجديدة ويوفقه لما فيه خير البشر عامة والمؤمنين خاصة، وأن يواجه جميع التحديات بقوة المحبة، كما علمنا معلمنا القائم من الموت، لا بمحبة القوة التي يعظمها الأشرار وبعض البشر!

وديع ابو نصار منسق منتدى مسيحيي الأرض المقدسة من سكان حيفا

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment