Skip to content
Skip to content

الإسكانات الكنسيّة في فلسطين: تُعزِّز من صمود الوجود المسيحيّ في الأراضي المُقدّسة وبشكلٍ خاصٍّ الأجيال الشابّة

تاريخ النشر: يونيو 7, 2025 4:08 م
صورة ارشيفية من عام 2014 لمشروع اسكان جمعية الرعاة في بيت ساحور

صورة ارشيفية من عام 2014 لمشروع اسكان جمعية الرعاة في بيت ساحور

ديفيد عازر– خاص لـ ملح الأرض

إنَّ التحدّيات الّتي تواجه الشّباب الفلسطينيّ جرّاء الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة، أصبحت عائقًا أمام صمودهم وبقائهم في فلسطين، وهذا دفع العديد منهم للهجرة بحثًا عن فرصة أفضل آملين مستقبل واعد بعيدًا عن الحروب وتدهور الأوضاع الّتي تشهدها المنطقة.
هذه الأوضاع جعلت الكنائس والمؤسَّسات التّابعة لها أمام ضرورة مُلحّة لتعزيز صمود الفلسطينيّين المسيحيّين، وخاصّةً مع تصاعد نسبة الهجرة وطلب اللّجوء، والتخوُّفات الّتي قد تُحوِّل الكنائس إلى مزارات فقط بدون الحجارة الحيّة من أبنائها.
ومن أبرز الأمور الّتي عملَتْ عليها الكنائس مُنذ عقود وعادت إلى الواجهة في الآونة الأخيرة إنشاء مشاريع الإسكانات للأزواج الشّابّة والّتي من شأنها أن تُخفف من العبء عن كاهلهم وخاصّةً مع ارتفاع سعر الإيجارات وارتفاع أسعار الشُّقق في المدن الفلسطينيّة.
وعلى سبيل المثال، فقد شرَّعَتِ الجمعيّة الخيريّة الوطنيّة الأرثوذكسيّة في بيت لحم بإنشاء مشروع إسكان ومركز ثقافيّ ورياضيّ يخدم العائلات المسيحيّة الشّابّة على مسافة ما يقارب ٩٠٠٠ مترًا مربّعًا في منطقة الكركفة, كما يجري العمل على مشروع جمعيّة إسكان بيت جالا التعاونيّة “مشروع ضاحية القدّيس نيقولاوس”، والّذي يهدف إلى توفير مساكن لـ450 عائلة مسيحيّة، ويُعدُّ من أكبر المُبادرات السّكنيّة الّتي تستهدف تثبيت الوجود المسيحيّ في المنطقة.
أمّا مشروع “حي لنا ” الّذي تمَّ إطلاقه في القدس الشرقيّة بمنطقة بيت حانينا، يُعتبر من أكبر مشاريع التّطوير البنيانيّ في المنطقة ويأتي بالشّراكة بين بطريركيّة الرّوم الارثوذكس المقدسيّة وشركة مسار العالميّة، يضمُّ المشروع ٤٠٠ وحدة سكنيّة مُوزّعة على ثمان مبان، ويُعطي مساحة ١٢٠ ألف متر مُربّع، تشمل مركز تجاريّ ودور سينما ومطاعم ومقاهي بالإضافة إلى مدرسة ومساحات خضراء ترفيهيّة.


بالرّغم من أهمّيّة ما تمَّ إنجازه، إلّا أنَّ الأمور على أرض الواقع تكشف لنا العديد من المشاكل القائمة والتحدّيات المُزمنة


كما أنَّ هناك العديد من مشاريع الكنائس القائمة، في العديد من المدن والبلدات مثل مشروع البطريركيّة اللّاتينيّة ومشروع بطريركيّة الرّوم الأرثوذكس في رام الله، إضافةً إلى مشروع إسكان الطيبة، وإسكانيّ الرّوم الكاثوليك والرّوم الأرثوذكس في بيت ساحور، والعديد من الإسكانات الأخرى.

يذكر أنَّ إنشاء هذه الإسكانات وتوسّعه هذه الرؤية في المشاريع تسهم في صمود المجتمع المسيحيّ في فلسطين، وخاصّةً في مكافحة سيل الهجرة، وتعمل على تعزيز الانتماء عند الأجيال الشّابّة للكنيسة والوطن والمُجتمع، كما أنَّ المرافق المحيطة بالإسكانات من شأنها دعم التنمية الاقتصاديّة وذلك من خلال خلق فُرص عمل وتمكين للشّباب.

ولكن بالرّغم من أهمّيّة ما تمَّ إنجازه، إلّا أنَّ الأمور على أرض الواقع تكشف لنا العديد من المشاكل القائمة والتحدّيات المُزمنة، والّتي تجعل كلّ ما تحقَّق نقطة في بحر ما هو مطلوب فعليًّا لضمان صمود الوجود المسيحيّ، ولعلَّ أبرز هذه الإشكاليّات الّتي يُعاني منها إنشاء المشاريع الإسكانيّة الكنسيّة، طول المُدّة لتنفيذ المشروع والتأخُّر في تسليم الشُّقق، فقد يبدأ المشروع باحتفالات لوضع حجر الأساس وتوقيع الاتفاقيات ولكن يطول التّسليم لسنوات دون إنجاز، مثل بعض الإسكانات الّتي تعثَّرت في استكمال عملها، وهذا سبب شرخ بين القائمين والمُستفيدين نظرًا للتأخُّر وغياب الشّفافيّة والإداريّة وعدم وجود خطط تنفيذيّة زمنيّة، ممّا أفقد العديد من المُستفيدين الثّقة في المؤسَّسات والجهات القائمة على المشاريع.


أبرز هذه الإشكاليّات الّتي يُعاني منها إنشاء المشاريع الإسكانيّة الكنسيّة، طول مدّة تنفيذ المشروع والتأخُّر في تسليم الشّقق


كما أنَّ غياب العمل الوحدويّ بين كافّة الكنائس لإقامة مشاريع مُشتركة يُعدُّ من أبرز المشاكل وهذا يتطلَّب أنْ تعمل الكنائس بوحدة ومركزيّة وتنسيق ، وأن تكون مُبادرات جماعيّة لا فرديّة، وخاصّةً مع عدم وجود تصوُّر واضح لدى الكنائس والمؤسَّسات حول الحاجة الفعليّة أو الأولويّات في المدن والقرى المٌهمّشة.
أيضًا من الأمور الّتي تتسبَّب في الصّراعات الدّاخليّة في إنشاء هذه الإسكانات عدم وجود صناديق إسكانيّة مُشتركة للطوائف، وخاصّةً مع غلاء الأسعار حتّى في بعض المشاريع الكنسيّة، والّتي من المُفترض أن تكون موجّهة للعائلات ميسورة الحال والمحدودة الدّخل، وبأسعار مناسبة، وليس أسعار تفوق القدرة الشّرائيّة للمُستفيدين، وكمثال مشروع “حي لنا”، على الرّغم من أهمّيّته وموقعه إلّا أنَّ المشروع خارج مُتناول النّسبة الأعلى من الشّباب المقدسيّين بسب تكلفته الباهظة.
ختامًا إنَّ الوجود الفلسطينيّ المسيحيّ ينزف بهدوءٍ وصمتٍ، والهجرة مازالَتْ مستمرّة وأصبحَتْ بشكلٍ أكبر، والمشاريع الّتي يتمّ إنشائها أقلّ بكثير من الاحتياج المطلوب، الوضع الحالي يحتاج إلى تغيير جذريّ في السّياسات والتّعاطي مع هذه الملفّات ويحتاج إلى تحرُّك جدّي وحقيقيّ وملموس دون تأجيل أو انتظار، فإمّا أن يُبنى اليوم مُستقبل للوجود الفلسطينيّ المسيحيّ أو يُفقد هذا الوجود للأبد.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment