Skip to content

الأرشمندريت شحاتيت: الميلاد يبدأ من الدّاخل، والقلب هو المغارة الأولى والمصالحة هي جوهر العيد

تاريخ النشر: ديسمبر 31, 2025 11:19 ص
WhatsApp Image 2025-12-13 at 12.00.45 PM (2)

احتفال اضاءة الشجرة في غراند تالا بيه العقبة.

ملح الأرض – ليث حبش

في ظلِّ تسارع الإيقاع الاستهلاكيّ الّذي بات يُرافق مواسم الأعياد، يؤكِّد الأرشمندريت بسّام شحاتيت، في مقابلةٍ خاصّةٍ مع مجلّة “ملح الأرض“، أنَّ عيد الميلاد المجيد يبقى قبل كلِّ شيء مناسبةً روحيّةً عميقةً، محورها الأساسي شخص يسوع المسيح، ورسالتها الحقيقيّة تتجاوز المظاهر الخارجيّة لتصل إلى جوهر الإنسان وقيمه وسلوكه اليوميّ.

ويُشير شحاتيت إلى أنَّ الاستعداد للميلاد لا يبدأ من تزيين البيوت أو إضاءة الشّوارع، بل من تهيئة القلب لاستقبال الطفل الإلهيّ، قائلًا”حين نتحدّث عن الميلاد، فإنَّنا نتحدّث عن حدثٍ روحيٍّ حيّ، يتكرَّر كلّ عامٍ في قلوب المؤمنين استقبال يسوع يبدأ من الدّاخل، من صفاء القلب وسلامه، ومن تنقية النّفس من كلِّ مشاعر سلبيّة كالحقد والحسد والكراهيّة، لأنَّ القلب هو المغارة الأولى الّتي يولد فيها المسيح”.

ويُضيف أنَّ الكنيسة، من خلال زمن الصّوم الّذي يسبق العيد، تدعو المؤمنين إلى مسيرةٍ روحيّةٍ متكاملةٍ، تجمع بين الصّلاة والصّوم والصّدقة، مُعتبرًا أنَّ هذه الأبعاد الثّلاثة تُشكِّل جوهر الاستعداد للميلاد ويوضِّح “الصّلاة تُعيد الإنسان إلى علاقته العميقة بالله، والصّوم يُحرِّره من التعلُّق بالماديّات، أمّا الصّدقة فتنقله نحو الآخر، ليترجم إيمانه أفعالًا ملموسةً من محبّةٍ وعطاء”.

وفي سياق حديثه عن البعد العمليّ للميلاد، شدَّد الأرشمندريت شحاتيت على أنَّ العيد يُشكِّل فرصةً حقيقيّةً لإعادة ترميم العلاقات الإنسانيّة، سواء داخل العائلة أو المُجتمع الأوسع وقال لـ ملح الأرض: “الميلاد هو عيد السّلام، لكنَّ هذا السّلام يبقى شعارًا إنْ لم يتحوّل إلى ممارسةٍ يوميّةٍ، المطلوب أنْ يُبادر الإنسان إلى المُصالحة، وأنْ يطلب المُسامحة ممّن أخطأ بحقِّهم، وأنْ يغفر لمن أساء إليه، لأنَّ الغفران هو الطّريق الأقصر نحو سلامٍ حقيقيٍّ ودائمٍ”.

الأرشمندريت بسّام شحاتيت في زيارة رعوية قبل الميلاد

كما تطرَّق إلى مسؤوليّة المؤمن تجاه الفئات الأكثر ضعفًا في المُجتمع، مُعتبرًا أنَّ الميلاد يحمل بُعدًا اجتماعيًّا وإنسانيًّا واضحًا وأكَّد أنَّ “مُساعدة الفقير، ومُساندة المُحتاج، وزيارة المرضى والحزانى، والوقوف إلى جانب المُهمَّشين وحتّى المساجين، ليسَتْ أعمالًا ثانويّةً، بل هي في صميم رسالة الميلاد، لأنَّ المسيح وُلِدَ من أجل كلِّ إنسانٍ، لا سيّما المُتألّمين والمُهمَلين”.

وفي حديثه عن المظاهر الاحتفاليّة الّتي تُرافق العيد، أوضح شحاتيت أنَّ الزينة وشجرة الميلاد والأضواء تبقى عناصر جميلة تُعبّر عن الفرح، لكنَّها لا تختصر معنى العيد الحقيقيّ وقال: “هذه المظاهر لها أبعادٌ ثقافيّةٌ وسياحيّةٌ واقتصاديّةٌ، وهي جزءٌ من فرح العيد، لكنّها تفقد قيمتها إنْ لم تترافق مع تغييرٍ داخليٍّ حقيقيٍّ في سلوك الإنسان وعلاقاته.”

وتوقَّف الأرشمندريت شحاتيت عند رموز الميلاد، مُعتبرًا أنَّها تحمل رسائل روحيّةً عميقةً للإنسان المعاصر فمار يوسف، بحسب تعبيره: “يُجسِّد صورة الإنسان الأمين والثّابت في إيمانه، القادر على مواجهة التّجارب بالصَّمت والطّاعة والثّقة بالله” أمّا مريم العذراء، فهي:  “نموذجٌ للصّمت والصّلاة والتّسليم الكامل لإرادة الله، ودعوةٌ لكلِّ إنسانٍ لأن يُصغي أكثر لصوت الله في حياته”.

وأشار كذلك إلى رمزيّة النّجم الّذي قاد المجوس إلى المغارة، مُعتبرًا أنَّه يرمز إلى نور الهداية الّذي يقود الإنسان في ظُلمات العالم وأضاف: “كلُّ واحدٍ منّا مدعو لأن يكون نجمًا في حياة الآخرين، يقودهم بأفعاله وكلماته إلى المسيح، وأنْ يسمح للرّوح القدس بأنْ يكون الملاك الّذي يرشده في مسيرته اليوميّة”.

زيارة رعوية قبل الميلاد.

أمّا الرُّعاة، فيمثِّلون بحسَب شحاتيت حالة الانتظار والترقُّب، وهي حالةٌ يعيشها المؤمن اليوم في زمنٍ مليءٍ بالتحدّيات والاضطرابات وقال: “نحن في مرحلة انتظارٍ دائمٍ لميلاد المسيح في قلوبنا وفي واقعنا، انتظارٌ يدفعنا إلى الرّجاء والعمل، لا إلى السلبيّة أو اليأس”.

وختم الأرشمندريت بسّام شحاتيت حديثه لمجلة “ملح الأرض” بالتّأكيد على أنَّ عيد الميلاد ليس ذكرى تاريخيّة فحسب، بل هو دعوةٌ مُتجدِّدةٌ لتجديد الإيمان وبناء مُجتمعٍ قائمٍ على المحبّة والسّلام والعدالة، مُتمنّيًا أنْ يحمل العيد رسالة رجاءٍ لكلِّ إنسانٍ، وأنْ يكون مُناسبةً حقيقيّةً للفرح الدّاخليّ الصّادق.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment