
السابق شخصيّات مسيحيّة تُشارك في الحملة الشّعبيّة “لا للتّهجير” على راديو البلد وتُعلن دعمها للموقف الرّسميّ الرّافض للتّهجير
كتب: فادي سمارنه- ناشطٌ شبابيٌّ في مُحافظة الزرقاء
في كلِّ صباحٍ أستيقظ فيه في وطني الأردن، أجد نفسي مُمتلئاً بالامتنان والسّلام الّذي يغمر حياتي كأردنيّ مسيحيّ. هنا، أعيش حُرّيتي، أمارس إيماني علنًا دون خوف، وأشارك في بناء وطني كشريكٍ أساسيٍّ وجزءٌ أصيلٌ من نسيج وطني يحترم الجميع.
عندما نتحدَّث عن الأردن، لا نذكره مُجرَّد وطن، بل نذكره بقلبٍ ينبضُ بالإنسانيّة، وبمكانٍ يسكنه الجميع في سلام، بدون خوفٍ من التّفرقة أو الظُّلم، في هذا البلد، حيث لا يفصل بين أبناءه لا دين ولا طائفة ولا مُعتقد، يجد المسيحيّون والمسلمون أنفسهم في وطنٍ واحدٍ ويشاركون بعضهم بعضًا الأفراح والأتراح، في هذا الوطن، الّذي بناه الهاشميّون بالرّحمة والحكمة والقيادة القويّة، يُصبح العيش المُشترك والعيش الحُرّ قيمةً نعيشها كلّ يومٍ.
القيادة الهاشميّة لم تكُنْ يومًا مُجرَّد حامية للمسيحيّين الأردنيّين فقط، بل كانَتْ صوتًا يُدافع عن حقوق المسيحيّين في المشرق العربيّ وكلَّ مكانٍ في العالم
“المسيحيّون ليسوا فقط سُكّانًا في الشّرق الأوسط، بل هم جزءٌ من نسيجه الحضاريّ. حمايتهم مسؤوليّتنا جميعًا، وحماية وجودهم ضمانةٌ لاستمرار هويّتنا المُشتركة.”
هذا ما قاله جلالة الملك عبدالله الثّاني بن الحسين أمام البرلمان الأوروبيّ.
إنَّ هذه الرّؤية جعلَتِ الأردن يتجاوز حدوده ليُصبح نموذجًا إقليميًّا و عالميًّا في الدّفاع عن حقوق الإنسان، حيث يعيش الأردنيّون المسيحيّون على أرضه حقوقًا مُتساويةً مع الجميع وفرص حقيقيّة للعيش الكريم.
لكن بينما أعيش هذا السّلام في الأردن كمسيحيّ، يملأ قلبي قلقٌ عميقٌ على مستقبل المسيحيّين في المشرق. نحن لسنا ضيوفًا في هذه الأرض، بل جزءٌ من تاريخها وهويّتها. المسيحيّون شاركوا في بناء الحضارات، وفي كتابة قصّة المشرق عبر العصور ولهم جذور راسخة وممتدّ في التّاريخ.
لكن اليوم، هذا الوجود مُهدد مع تصاعد الفكر المُتطرِّف وتنامي بعض التيّارات، أصبح المسيحيّون يواجهون خطر التّهجير والتّهميش والكراهية.
حزين على تلك الكنائس الّتي كانت دومًا رمزًا للإيمان والصّلوات والسّلام أصبحَتْ أطلالًا صامتةً في المشرق العربيّ، والأسر الّتي عاشت لقرونٍ في هذه الأرض تُجبر على ترك أوطانها بحثًا عن الأمان.
وسط هذا الظلام، يظلُّ الأردن منارةً مُضيئةً بقيادته الهاشميّة المؤمنة دائمًا لأهمّيّة الحفاظ على التنوّع وحماية كلِّ أبناء الوطن
هناك كلمات لجلالة الملك عبدالله الثاني الّتي لا أستطيع أن أتخطّاها اليوم والّتي أتغنّى بها دومًا حينما قال جلالته في خطابه أثناء زيارته للكرسيّ الرّسوليّ
“لا أستطيع أنْ أتصوَّر المشرق دون المسيحيّين. إنَّهم جزء أصيل من تاريخ منطقتنا وحاضرها ومستقبلها.”
هذه الكلمات ليسَتْ مُجرَّد تصريح سياسيّ، بل هي انعكاس لروح الأردن وإيمان الهاشميّين بأهمّيّة مسيحيّ المشرق وضرورة الحفاظ عليهم وحمايتهم ويشهد القاصي والدّاني بأنَّ المسيحيّين المشرقيّين وجدوا في الأردن ملاذًا عندما ضاقت بهم الأرض وكان الأردن بقيادته وشعبه الحامي لهم في السّنوات السّابقة عندما هُجِّروا وشُرِّدوا من أوطانهم.
أنا أردنيّ مسيحيّ أعيش حياة الأمان والكرامة في وطني. لكن حلمي أنْ يعيش كلّ مسيحيّ في الشّرق العربيّ هذا الأمان الّذي أعيشه في الأردن وأن يُصبح المشرق مكانًا يحتضن الجميع، كما فعل ويفعل الأردن دائمًا تحت رايته وقيادته الهاشميّة.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!