Skip to content

إسرائيل الحديثة وأنا – بقلم الكاتب سمير الشّوملي

رابط المقال: https://milhilard.org/mkea
تاريخ النشر: أكتوبر 29, 2024 1:10 م
الكاتب سمير الشوملي وكتابه

الكاتب سمير الشوملي وكتابه

رابط المقال: https://milhilard.org/mkea

معَ التطوراتِ الساخنةِ الحاليةِ في الشرقِ الأوسطِ، ومع المآسي ومشاهدِ الرعبِ التي تصدمُنا كلَّ يومٍ، ومع المعاناةِ التي لا تتوقفُ والدموعِ التي لا تجفُّ، يفرضُ موضوعُ دولةِ إسرائيلَ وماهيّتِها نفسَه. ومن الحيويِّ أن يفهمَ المؤمنون بالمسيحِ الحقيقةَ الكتابيةَ حولَها، فلا يقعوا ضحيةً للجهلاءِ أو المُغرِضين. ورأيتُ أن أُدلي دلوي في هذا الموضوعِ لأنه موضوعٌ دينيٌّ يمكنُ أن يؤدي سوءُ فهمِه إلى تعقيدِ العلاقاتِ بين المؤمنين فيما بينهم، وبينهم وبين الآخرين، وإلى خلقِ تأثيرٍ سلبيٍّ في رسالةِ الإنجيلِ.

خبرتي الشخصية

لم أكنْ يومًا سياسيًّا، ولم أتمتعْ قطُّ بقدرةٍ تحليليةٍ للتطوراتِ السياسيةِ. وكنتُ ألجأُ إلى محللين سياسيين من خلال الصحفِ ووسائلِ الإعلامِ، وحتى الأصدقاءِ والمعارفِ ذوي الحِسِّ السياسيِّ، لكي أفهمَ ما يجري في منطقتِنا والعالمِ. ولهذا، سأتحدثُ كشخصٍ عاديٍّ غيرِ خبيرٍ في السياسةِ حولَ المسألةِ الفلسطينيةِ – الإسرائيليةِ. لكني عشتُ في هذه المنطقةِ فترةً طويلةً تسمحُ لي بإدلاءِ رأيي في مواقفَ بعضِ الجهاتِ المسيحيةِ تُجاهَ الصراعِ العربيِّ الإسرائيليِّ كمواطنٍ عربيٍّ وكمؤمنٍ بالمسيحِ يعرفُ كتابَه المقدسَ بما يكفي لتحديدِ موقفي من إسرائيلَ الحديثةِ وقضايا الحقوقِ والعدالةِ.

لقد صُدِمتُ منذ الصغرِ على مأساةِ الفلسطينيين الذين تعرّضوا لمذابحَ وترهيبٍ وتهجير، ورأيتُ صورًا لبؤسِهم بعد نزوحِهم من بيوتِهم ووطنِهم. وتابعتُ بعد ذلك الممارساتِ الإسرائيليةَ الوحشيةَ ضدّ الفلسطينيين القاطنين في الضفةِ الغربية، ومعاملتَهم معاملةً تخلو من العدالةِ والإنسانيةِ بعد أن احتلّت أرضَهم. وصُدمتُ أيضًا لمحاباةِ الدولِ الغربيةِ غيرِ المفهومةِ لدولةِ إسرائيلَ في ضوءِ عدالةِ قضيةِ الفلسطينيين. وأُحبِطتُ لعجزِ الإعلامِ العربيِّ الفاشلِ في عرضِ قضيتِهم بشكلٍ مستمرٍّ ومدروسٍ وعقلانيٍّ ومؤثر. ولهذا لم يكنْ مستغربًا أن يقعَ الغربُ، بما فيه دوائرُ مسيحيةٌ، ضحيةَ خداعٍ وتضليلٍ من وسائلَ إعلاميةٍ مُغْرِضةٍ حولَ هذه القضيةِ.

القصد من وراء إنشاء إسرائيل

واستمرتِ إسرائيلُ في التوسعِ حتى على حسابِ دولٍ عربيةٍ مجاورةٍ. (ويبدو أن شهيّة إسرائيلَ في ضمِّ أراضٍ جديدةٍ ما زالت مفتوحةً.) وظلَّ الدعمُ الغربيُّ العسكريُّ والسياسيُّ في المجالِ الدوليِّ غيرَ مشروطٍ. وقد صار واضحًا لكثيرين، حسب التصريحاتِ المعلنةِ لمسؤولين غربيين، أنهم هم الذين ساعدوا في إنشاءِ دولةِ إسرائيلَ لكي تكون بمنزلةِ إسفينٍ في هذه المنطقةِ من أجلِ ترويضِ دولِ هذه المنطقةِ ذاتِ الموقعِ الإستراتيجيِّ والغنيةِ بالنفطِ، والسيطرةِ عليها، لا من أجلِ أهدافٍ دينيةٍ. وإضافةً إلى ذلك، أرادَ الغربُ أن يُبعدَ أيةَ قوةٍ عالميةٍ أخرى منافسةٍ من الوصولِ إلى هذه المنطقة والسيطرةِ عليها. فالعالَمُ الغربيُّ بشكلٍ عامٍ لادينيٌّ أو علمانيٌّ لا يهمُّه الدينُ في شيٍ. وربما تكونُ هذه الحقيقةُ غيرَ واضحةٍ بالنسبةِ لمعظمِ العربِ، وبشكلٍ خاصٍّ المسلمين، الذين ما زالوا يصفون الغربَ على أنه “مسيحي”.

مضلَّلون يدعمون إسرائيل

غيرَ أن هنالكَ أصواتًا – وهي تتناقصُ لحسنِ الحظِّ – تصدرُ عن دوائرَ “مسيحيةٍ” في الغربِ، ولاسيما في الولاياتِ المتحدةِ، تدعو إلى دعمِ إسرائيلَ لسببين: أحدِهما هو أن هذه الدوائرَ ضحيةٌ للإعلامِ الغربيِّ المُغرِضِ وفشلِ الإعلام العربيِّ، وثانيهما هو فهمُ هؤلاءِ المسيحيين غيرُ الدقيقِ للكتابِ المقدسِ حولَ ما يُدعى “إسرائيل”. فهم يظنّون من دونِ أيِّ سندٍ كتابيٍّ أن دولةَ إسرائيلَ الحديثةَ استمرارٌ شرعيٌّ لإسرائيلَ القديمةِ، وأنها بالتالي وريثةٌ لمواعيدِ اللهِ لإبراهيمَ في ما يتعلقُ بالأرضِ الموعودةِ له ولنسلِه. ويعتقدون أن مجيءَ اليهودِ إلى فلسطين دليلٌ على رضا اللهِ عنهم وعن قيامةِ دولةِ إسرائيلَ. فهل هذا صحيح؟

توضيح الأهداف

ينبغي أن نضعَ نصبً عيونِنا أن القصدَ الذي دفعَ الغربَ إلى المساعدةِ في إقامةِ دولةٍ يهوديةٍ في فلسطين هو عسكريٌّ استعماريٌّ. وهو يتضمنُ إبقاءَ المنطقةِ خاضعةً للنفوذِ الغربيِّ، وتسهيلَ نهبِ ثرواتِها، ومنعَ قِوى دوليةٍ أخرى منافسةٍ من وضع قدمِها فيها. ولم يكنِ الغربُ مغرمًا بالدينِ اليهوديِّ أو متحمسًا لقهرِ دينٍ آخرَ رغمَ ما يعتقدُهُ كثيرون. فمصالحُهُ السياسيةُ والاقتصاديةُ هي كلُ ما يهمُّ. ومن المؤكدِ أن دولةَ إسرائيلَ الحاليةَ تلعبُ هذا الدورَ الذي يريدُه الغربُ لها، وهذا هو ما يضمنُ دعمَه لها.

إسرائيل عنوان بلا مضمون

إنّ “إسرائيلَ” عنوانٌ خالٍ من المضمونِ. فهي، من ناحيةٍ عمليةٍ، لا تملكُ أيَّةَ مقوماتٍ قامت عليها إسرائيلُ قديمًا. فهي ليست دولةً دينيةً ثيوقراطية ملكيةًّ على غرارِ إسرائيلَ القديمةِ. بل تأخذ شكلَ الديمقراطيةِ الليبراليةِ العلمانيةِ. ورؤساؤها أشخاصٌ علمانيّون يُنتخَبون من قِبلِ أعضاءِ الكنيست، لا من الله. وليسوا ملوكًا من سبطِ يهوذا، من نسلِ داودَ.[1] ودورُ الرئيسِ رمزيٌّ ووظائفُهُ رمزيةٌ أو صُوَريةٌ وليست له سلطةٌ فعليةٌ، حيث لا يديرُ دفةَ سفينةَ الدولةِ، بينما كان ملكُ إسرائيلَ قديمًا صاحبَ القرارِ والسلطةِ تحتَ مظلّةِ الإرادةِ الإلهيةِ. وبطبيعةِ الحالِ، كان الملكُ يورّثُ المُلكَ لابنٍ من أبنائه، على خلافِ ما يحدثُ في “جمهوريةِ” إسرائيلَ الحديثةِ التي لا تقومُ على عهدٍ مع الربِّ، فيكافئَها على الالتزامِ به أو يعاقبُها على كسرِها له.

لا أنبياء في إسرائيل اليوم

وبطبيعةِ الحالِ، فإنه لا يوجدُ في إسرائيلَ “الديمقراطيةِ” صوتُ نبيٍّ يوصلُ رسالةً من الربِّ. فقد خُتِمَ الإعلانُ الإلهيُّ مع سفرِ الرؤيا.[2] أما الصوتُ الموجودُ فهو صوتُ الكنيست، ومجلسِ الوزراءِ، وجنرالاتِ الحربِ.

وليس الدينُ هو ما يحرّكُ إسرائيلَ. وليست برامجُها وأهدافُها دينيةً. ولا يوجدُ جوٌّ دينيٌّ سائدٌ فيها.[3] وليس رجالُ الدينِ – وهم في غالبيّتِهم متعصبون وعنصريون – هم الذين يديرون دفّةَ سفينتِها، ولا يهتمون بنشرِ رسالةِ الربِّ كما هي في العهدِ القديمِ. بل إن الرذائلَ الموجودةَ في إسرائيلَ هي نفسُها الموجودةُ في بلادِ الغربِ.

وعندما نأتي إلى القانونِ المعمولِ به، نجدُ أنه خليطٌ من القوانين البريطانيةِ والعثمانيةِ والفرنسية مع تأثيراتٍ أخرى. ورغمَ أن بعضَهم يدّعي أن ناموس موسى هو دستورُ البلادِ، إلا أن هذا ادعاءٌ لا أساسَ له، وهو يُطرَحُ للاستهلاكِ الخارجيِّ ولغرضِ الدعايةِ. فلن تسمعَ، على سبيلِ المثالِ، أن شخصًا زانيًا قد أُعدِم أو رُجِم، كما ينصُّ الناموسُ! (تثنية 17: 5 – 7)

أين هم الأسباط ودورهم؟

قامت إسرائيلُ القديمةُ على الأسباطِ الاثني عشر. وتحديدُ السبطِ المعينِ الذي ينحدرُ منها الإسرئيليُّ أمرٌ ليس سهلًا على الإطلاقِ بعد مرورٍ قرونٍ طويلة من تشتتِ اليهودِ في العالمِ وتزاوجِ بعضِهم من غيرِ اليهودِ. فغالبيةُ اليهودِ هم مجردُ يهودٍ من دونِ تحديدِ أسماءِ أسباطِهم. وأين سبطُ لاوي، وكيف يمكنُ تحديدُه؟ وأيُّ دورٍ له الآن؟

ليس كل الإسرائيليين يهودًا اليوم

كان كلُّ رعايا مملكةِ إسرائيلَ يهودًا، ولم يكن أيُّ شخصٍ أمميٍّ ساكنٍ فيها مواطنًا إسرائيليًّا. أما في إسرائيلَ الحديثةِ، هنالك رعايا مسيحيون ومسلمون ودروزٌ يحملون الجنسيةَ الإسرائيليةَ. فهويّةُ “إسرائيل اليهوديةِ” غيرُ خالصة. وأضِفْ إلى ذلك أن نسبةُ كبيرةً من اليهودِ ملحدون بسببِ تأثيرِ موجةِ الإلحادِ العالميةِ، ولا تحملُ يهوديّتُهم مدلولاتٍ دينيةً. بل نسمعُ منذُ فترةٍ أن بعضَ اليهودِ صاروا مؤمنين بالمسيّا يسوعَ! وهم منبوذون من الأوساطِ الدينيةِ المتعصّبةِ.

أسُس واهية

فعلى أيِّ أساسٍ تُدعى هذه الدولةُ “إسرائيل” بعد هذا؟ إن الجوابَ الوحيدَ المتاحَ هو أن الذين أسَّسوا هذه الدولةَ كانوا يهودًا من أبناءِ إبراهيمَ، وهذا سببٌ كافٍ في نظرِهم. فهنالك دولةٌ وهنالك يهودٌ. بل إنهم يروّجون أن إقامةَ دولةِ إسرائيلَ بعد غيابها لقرونٍ طويلةً يستدعي تسبيحَ اللهِ وتمجيدَه. كما أن وجودَ سكانٍ فلسطينيين يؤكدُ ذلك. ويستدعي هذا ذكرياتِ الحربِ بين إسرائيلَ قديمًا والفلسطينيين في الماضي. وهم يريدون ربطَ الماضي بالحاضرِ من أجلِ إضفاءِ شرعيةٍ على الأمرِ الواقعِ الآن، وهو وجودُ دولةِ إسرائيلَ الحديثةِ. كما أن انتسابَهم إلى إبراهيمَ يخوِّلُهم الحقَّ في الاستيلاءِ على أرضِ فلسطينَ التي وعدَ اللهُ إبراهيمَ بها بأيةِ طريقةِ متاحةٍ لهم. فهل طرْحُهم هذا سليمٌ؟

وعد الأرض في سياق مباركة جميع الأمم

لقد وعدَ الربُّ إبراهيمَ أن يعطيهِ وأبناءَه أرضَ كنعانَ مقتنىً. (تكوين 12: 1) وربطَ الربُّ هذا الوعدَ بوعدٍ مجيدٍ آخرَ: ” وَتَكُونَ بَرَكَةً … وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلْأَرْضِ” (تكوين 12: 2 – 3). وهذا الوعدُ غيرُ مشروطٍ، وسنرى سببَ ذلك بعدَ قليلٍ. فكيف يكونُ إبراهيمُ بركةً وتتباركُ فيهِ جميعُ الشعوبِ؟ إذا أخذنا هذا الوعدَ حرفيًّا، فإنه يعني أن حصولَ إبراهيمَ وأبنائِه على الأرضِ المذكورةِ سيعودُ على كلِّ الشعوب بالبركةِ بمن فيها الشعبُ الساكنُ فيها، أي مالكُها، لا بالويلاتِ وسفكِ الدماءِ. وإذا نظرنا إلى الواقعِ المُعاشِ، فإن أهلَ فلسطينَ (إضافةٍ إلى سكانِ البلدان المجاورةِ لها) لا يتمتعون ببركةِ إبراهيمَ من خلالِ أبناءِ إبراهيمَ المزعومين. فهم يعانون أشدَّ المعاناةِ.

نور من العهدِ الجديد

فكيف فهِم العهدُ الجديدُ هذا الوعدَ الإبراهيميَّ؟ يقولُ الرسولُ بولسُ بالوحي شارحًا الوعدَ لإبراهيمَ في العهدِ القديم: “وَأَمَّا ٱلْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لَا يَقُولُ: «وَفِي ٱلْأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: «وَفِي نَسْلِكَ» ٱلَّذِي هُوَ ٱلْمَسِيحُ” (غلاطية 3: 16). ولهذا، فإن الوعدَ غيرُ مشروطٍ! لقد فشلتْ إسرائيلُ في أن تكون بركةً للشعوبِ، فجاءَ المسيحُ ليلعبَ هذا الدورَ. ويحددُ الوحيُ الإلهيُّ على لسانِ بولسَ أبناءَ إبراهيمَ. “كَمَا «آمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِٱللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا». ٱعْلَمُوا إِذًا أَنَّ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنَ ٱلْإِيمَانِ أُولَئِكَ هُمْ بَنُو إِبْرَاهِيمَ” (الآيتان 6 و7). وهنا يطبقُ وعدَ اللهِ لإبراهيمَ على كلِّ المؤمنين بالمسيحِ[4] مهما كانت جنسياتُهم: “وَٱلْكِتَابُ إِذْ سَبَقَ فَرَأَى أَنَّ ٱللهَ بِٱلْإِيمَانِ يُبَرِّرُ ٱلْأُمَمَ، سَبَقَ فَبَشَّرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ “فِيكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ ٱلْأُمَمِ” (الآية 8). أما الإسرائيليون الحديثون الذين لم يؤمنوا بالمسيح، وهم ما زالوا تحتَ ناموس موسى، فيقولُ بولسُ عنهم: “لِأَنَّ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْمَالِ ٱلنَّامُوسِ هُمْ تَحْتَ لَعْنَةٍ” (الآية 10). ويعني هذا أنهم غيرُ مقصودين بالوعدِ الإبراهيمي. وليس لديهم بركةٌ ليقدّموها للعالمِ.

ويكررُ الرسولُ بولسُ هذه الحقائقَ بطريقة أخرى: “وَلَكِنْ لَيْسَ هَكَذَا حَتَّى إِنَّ كَلِمَةَ ٱللهِ قَدْ سَقَطَتْ. لِأَنْ لَيْسَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ، وَلَا لِأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعًا أَوْلَادٌ. بَلْ «بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ». أَيْ لَيْسَ أَوْلَادُ ٱلْجَسَدِ هُمْ أَوْلَادَ ٱللهِ، بَلْ أَوْلَادُ ٱلْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلًا.” (رومية 9: 6 – 8) ما أسهلَ أن يأخذَ المرءُ الكلامَ حرفيًّا من دونِ أن يتمعّنَ في ما وراءَه![5]

كيف فهم إبراهيمُ نفسُه هذا الوعدَ؟

من المؤكدِ أن إبراهيمَ لم يفهمْه كما يفهمُه الإسرائيليون اليوم. فمع أنه كان لديه وعدٌ بامتلاكِ الأرضِ، إلا أنه لم يحاولِ الاستيلاءَ عليها ليستوطنَها. ومن ناحيةٍ نظريةٍ، كان بإمكانِهِ أن يغزو الأرضَ بنجاحٍ باهرٍ مهما كانت قوتُه محدودةً، لأن اللهَ كان معه، ولن يخذلَه. لكنه لم يفعلْ ذلك. يخبرُنا الوحيُ: “وَتَغَرَّبَ إِبْرَاهِيمُ فِي أَرْضِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ أَيَّامًا كَثِيرَةً” (تكوين 21: 34). ويوضحُ الوحيُ في العهدِ الجديدِ سببَ تغرُّبِ إبراهيمَ هناك: “بِٱلْإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ ٱلْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِنًا فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ٱلْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا ٱلْمَوْعِدِ عَيْنِهِ. لِأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ ٱلْمَدِينَةَ ٱلَّتِي لَهَا ٱلْأَسَاسَاتُ، ٱلَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا ٱللهُ” (عبرانيين 11: 9 – 10). فليستِ الأرضُ الماديةُ هي الهدفَ، فلم يتمسّكْ بها. فالأرضُ الموعودةُ غيرُ المشروطةِ على ما يبدو كانت رمزًا للوطنِ السماويِّ المنتظرِ.

موقف إبراهيم نفسه من الأرض والسكان

لم يحسبْ إبراهيمُ تلكَ الأرضَ الموعودةَ مُلكًا له ولأبنائِه بشكلٍ مفروغٍ منه. فعندما أراد أن يجدَ مدفنًا لزوجتِهِ سارة، عرضَ أن يشتري مغارةَ المكفيلةِ من صاحبِها. ولماذا يشتريها؟ أليست الأرضُ كلُّها بما فيها المغارةُ مُلْكًا شرعيًّا له بمرسومٍ إلهيٍّ؟ لكنه لم ينظرْ إلى هذا الأمر هكذا. فكان موقفُ صاحبِها نبيلًا. “فَأَجَابَ عِفْرُونُ ٱلْحِثِّيُّ إِبْرَاهِيمَ فِي مَسَامِعِ بَنِي حِثَّ، لَدَى جَمِيعِ ٱلدَّاخِلِينَ بَابَ مَدِينَتِهِ قَائِلًا: «لَا يَا سَيِّدِي، ٱسْمَعْنِي. اَلْحَقْلُ وَهَبْتُكَ إِيَّاهُ، وَٱلْمَغَارَةُ ٱلَّتِي فِيهِ لَكَ وَهَبْتُهَا. لَدَى عُيُونِ بَنِي شَعْبِي وَهَبْتُكَ إِيَّاهَا. ٱدْفِنْ مَيْتَكَ”” (تكوين 23: 10 – 11). فكانت هذه فرصةً لأن يحصلَ على المغارةِ مجانًا. إذ كيف يدفعُ المرءُ مالًا للحصولِ على شيْءٍ يمتلكُهُ بالفعل؟ لكن إبراهيمَ أصرَّ على دفعِ ثمنِ المغارةِ مفترضًا على نحوٍ صحيحٍ أن المغارةَ ليست له. وقبلَ أن تتمَ الصفقةُ، “سَجَدَ إِبْرَاهِيمُ أَمَامَ شَعْبِ ٱلْأَرْضِ” في احترامٍ كبيرٍ لهم وحرصٍ على حسنِ العلاقاتِ بهم، ولم ينظرْ إليهم كأعداء يحتلون أرضَه! “وَوَزَنَ إِبْرَاهِيمُ لِعِفْرُونَ ٱلْفِضَّةَ ٱلَّتِي ذَكَرَهَا فِي مَسَامِعِ بَنِي حِثَّ. أَرْبَعَ مِئَةِ شَاقِلِ فِضَّةٍ” (تكوين 23: 16).

والرسالةُ هنا هي أن وعدَ اللهِ لا يخوّلَك الحقَّ في استخدامِ العنفِ لتحقيقِ ما تريدُه. فانتظرْ توقيتَ اللهِ وطرقَه وحاولْ أن تفهمَ ما يريدُ أن يوصلَهُ إليك من خلالِ الوعدِ.

المصالحة بين موقف الناموس والوعدِ الإبراهيمي

لكنّ امتلاكَ الشعبِ اليهوديِّ للأرضِ الموعودة بشكلٍ حرفيٍّ أمرٌ مشروطٌ تمامًا، وليس آليًّا أو مفروغًا منه. وهو مدعومٌ بشكل كبيرٍ ومتكررٍ من الكتابِ المقدسِ. فعلى سبيلِ المثالِ، يقولُ الربُّ: “بِكُلِّ هَذِهِ لَا تَتَنَجَّسُوا، لِأَنَّهُ بِكُلِّ هَذِهِ قَدْ تَنَجَّسَ ٱلشُّعُوبُ ٱلَّذِينَ أَنَا طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ  فَتَنَجَّسَتِ ٱلْأَرْضُ. فَأَجْتَزِي ذَنْبَهَا مِنْهَا، فَتَقْذِفُ ٱلْأَرْضُ سُكَّانَهَا. لَكِنْ تَحْفَظُونَ أَنْتُمْ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، وَلَا تَعْمَلُونَ شَيْئًا مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ ٱلرَّجَسَاتِ، لَا ٱلْوَطَنِيُّ وَلَا ٱلْغَرِيبُ ٱلنَّازِلُ فِي وَسَطِكُمْ، لِأَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ ٱلرَّجَسَاتِ قَدْ عَمِلَهَا أَهْلُ ٱلْأَرْضِ ٱلَّذِينَ قَبْلَكُمْ فَتَنَجَّسَتِ ٱلْأَرْضُ. فَلَا تَقْذِفُكُمُ ٱلْأَرْضُ بِتَنْجِيسِكُمْ إِيَّاهَا كَمَا قَذَفَتِ ٱلشُّعُوبَ ٱلَّتِي قَبْلَكُمْ” (لاويين 18: 24 – 28). وكما سبقَ أن أوضحنا أنه حدثت حالاتٌ متعددة لسبيِ الشعبِ من أرضِهم بسببِ خطاياهم، مثل السبي الأشوري والسبي البابلي.[6] فأين وعدُ اللهِ غيرِ المشروطِ لإسرائيلَ بامتلاكِ الأرضِ دائمًا بِغَضِّ النظرِ عن الحالةِ الروحيةِ للشعبِ؟  لماذا لم يكنْ ساريًا في هذه الحالةِ؟ من الواضحِ أن هنالك فهمًا غيرَ سليمٍ للوعدِ الإبراهيميِ. ولهذا ينبغي فهمُه في ضوءِ المسيحِ وعملِه، وإلاّ لكان هنالك تناقضٌ لا يمكنُ حلُّه بين تحذيرات الناموسِ والوعدِ الإبراهيميِّ. ولنتذكرْ أن البركاتِ التي جلبها المسيحُ روحيةٌ لا أرضيةٌ في أساسِها. فلم يُعطِ تلاميذَه أرضًا موعودةً على الأرضِ!

موقف المسيح

وأكّد يسوعُ المسيحُ هذه النقطةَ. فعصيانُ إسرائيلَ العنيدُ ورفضُها له يُخرجُها من دورِها التقليديِّ كممثلةٍ للرسالةِ الإلهيةِ، “لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ ٱللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لِأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ” (متى 21: 43). وسيتعرضُ هيكلُها للدمارِ: “ُهوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا” (متى 23: 38) وسيتشتتُ الشعبُ في العالمِ نتيجةً لذلك مع مجيءِ تيطسَ الرومانيِّ في عام 70 م. فنفسُ المبدأِ في العهدِ القديمِ كان يعملُ في وقتِ المسيحِ. كان اليهودُ في حالةٍ رافضةٍ تمامًا للمسيحِ ومستبعَدين من ملكوتِ الله وبركاتِه لأنهم لم يكونوا أبناءَ إبراهيمَ بالإيمان. فهل تغيّرَ وضعُهم الآن؟ وهل وجودُ دولةٍ باسمِ “إسرائيلَ” يغيّرُ حالتهم الروحيةَ؟ لا على الإطلاق. فما أَشْبَهَ الليلةَ بالبارحةِ. كانوا مرفوضين وما زالوا كذلك، إلى أن يأتوا إلى المسيحِ بالإيمان.

ويعني هذا أن عودةَ اليهودِ إلى فلسطينَ إلى هذه الأرضِ ليس بدعوةٍ من الربِّ. فقد جمعوا أنفسَهم. ولعلّه سمحَ بتجمُّعِهم حتى يمروا في “ضيقةِ يعقوب”، “لِأنَّ ذلِكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ وَلَيْسَ مِثْلُهُ. وَهُوَ وَقْتُ ضِيق عَلَى يَعْقُوبَ” حتى يعودوا بالتوبةِ إلى الربِّ (إرميا 30: 7).

إبادة كاملة دفاعًا عن النفس!

وإنه لأمرٌ يبعثُ على الاشمئزازِ أن يدافعَ أحدٌ، وعلى نحو خاصٍّ الأشخاصُ المسَمَّون على اسمِ المسيحِ الذي يناصرُ البرَّ والحقَّ والرحمةَ، عن ممارساتِ إسرائيلَ الحديثةِ غيرِ الإنسانيةِ والتي لا تعترفُ بأيةِ أخلاقياتٍ في الحربِ. لقد انتهكت إسرائيلُ الحديثةُ على مدى تاريخِها القوانينَ الدوليةَ بلا اكتراثٍ. وصارت تُعْرفُ بأنها الدولةُ المارقةُ. وكثيرًا ما دانتْها الأممُ المتحدةُ. لكنها كانت وما زالت تفلتُ من عواقبِ جرائمِها بسببِ الدعمِ غير المشروطِ للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والدولِ الغربيةِ الأخرى. ونحن نتابعُ “بطولاتِ” إسرائيلَ وهي تهاجمُ الأهدافَ المدنية، وتهدمُ المنازلَ، وتستهدفُ الأطفالَ والنساءَ، وتقتلُ العشراتِ يوميًّا، وتمنعُ وصولَ الأطعمةِ والأدويةِ. وهي تبررُ ذلك بالقولِ أن هذا “دفاعٌ عن النفسِ”! فهل هذه هي القيمُ التي يدعو إليها الكتابُ المقدسُ؟ هل هذه هي إسرائيلُ اللهِ؟

اعتراض

ويعترضُ بعضُهم بالقولِ إن اتخاذَ موقفٍ من إسرائيلِ وممارساتِه يعني أني أقفُ مع الحركاتِ الإسلاميةِ المتشددةِ وضدّ الكتابِ المقدسِ، لأن الحربَ هناك دينيةٌ.[7]

جواب

لكنّ هذا المنطقَ أعوجُ وبعيدٌ عن الواقعِ. أولًا، من المؤكدِ أن الكتابَ المقدس يستهجنُ ممارسات إسرائيلَ ويدينُها بغضِّ النظرِ عن هويةِ ضحاياها. فالمسألةُ مسألةٌ إنسانيةٌ قبلَ كلِّ شيء، إضافةً إلى أنه مسألةُ انتماءٍ وطنيٍّ. فأنا لستُ سياسيًّا، وليست لديّ أجندةٌ سياسيةٌ مع جهةٍ ما أو ضدّها. ثانيًا، إذا دعمتُ إسرائيلَ هذه في ممارساتِها، فإني أقفُ مع الظلمِ وأقفُ ضد العدلِ والرحمةِ، ولن أكونَ شاهدًا للمسيحِ. ثالثًا، أنا لا أشاركُ الحركاتِ الإسلاميةَ في اقتناعاتِها ولا هي تشاركُني في اقتناعاتي، لكن وجودَها لا يبررُ ممارساتِ إسرائيلَ الوحشيةَ. بل إن إسرائيلَ تستغلُّ وجودَ هذه الحركاتِ كذريعةٍ للإبادةِ الجماعيةِ وتنفيذِ طموحاتِها وأطماعِها. ومن ناحيةٍ نظريةٍ، إذا ساعدَ موقفي هذا حركةَ حماسٍ بطريقةٍ تساهمُ في كفِّ الأذى عن أهلِنا، مسلمين ومسيحيين، فلن أندمَ أو أغضبَ كثيرًا! ثالثًا، لم تكن تأخذُ مواجهةُ الفلسطينيين لإسرائيل في بدايةِ الأمرِ البعدَ الدينيَّ. فقد ظهرتِ الحركاتُ الإسلاميةُ المتشددةُ في مرحلةٍ لاحقةٍ. فعلى سبيلِ المثالِ، تأسستْ حركةُ حماس في عام 1987 أثناءَ الانتفاضةِ الفلسطينيةِ ضدّ ممارساتِ إسرائيلَ. ومن المنطقيِّ أن يستنتجَ المرءُ أن ممارساتِ إسرائيلَ القمعيةَ وغيرَ الإنسانيةِ هي التي تولّدُ إحباطًا لدى الشارعِ العربيِّ، وتشجعُ على بروزِ ردِّ فعلٍ عنيفٍ ضدَّها. ولا تستطيعُ أن تلومَ الفلسطينيين على بغضِهم لها. فقد اكتسبتْ كراهيتَهم لها بجدارةٍ. وفي رأيي المتواضعِ أنه لو لم تنهجْ إسرائيلُ هذا النهجَ، وقبلت حلًّا عادلًا نوعًا ما للمسألةِ الفلسطينية، لما كان بروزُ الحركاتِ الإسلاميةِ أمرًا محتَّمًا! فالعنفُ يولّدُ العنفَ. فالمسؤوليةُ تقعُ على إسرائيلَ نفسِها! ومن الواضحِ – ومن المؤسفِ أيضًا – أن إسرائيلَ غيرُ مستعدةٍ للسلامِ إلى أن تدركَ أن ثمن سياستِها باهظٌ جدًّا. وفي هذه الأثناء، يعاني الجميعُ.


[1] “وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، احْفَظْ لِعَبْدِكَ دَاوُدَ أَبِي مَا كَلَّمْتَهُ بِهِ قَائِلًا: لاَ يُعْدَمُ لَكَ أَمَامِي رَجُلٌ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ” (2 أخبار 6: 16). فغيابُ نسلُ داودَ عن الحكمِ دليلٌ على أن إسرائيلَ الحاليةَ ليست شرعيةً.

[2]لِأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هَذَا ٱلْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هَذَا، يَزِيدُ ٱللهُ عَلَيْهِ ٱلضَّرَبَاتِ ٱلْمَكْتُوبَةَ فِي هَذَا ٱلْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هَذِهِ ٱلنُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ ٱللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ، وَمِنَ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ ٱلْمَكْتُوبِ فِي هَذَا ٱلْكِتَابِ” (رؤيا 22: 18 – 19).

[3] لن يكونَ أمرًا غريبًا أن تشاهدَ في قناتِها الرسميةِ تمثيلياتٍ وأفلامًا إسرائيليةً تتضمنُ مشاهدَ إباحيةً.

[4] ألغى المسيحُ التقسيمَ بين اليهوديِّ وغيرِ اليهوديِّ وكلَّ التقسيماتِ التي يفرضُها العالم. فهو يجمعُ الجميعَ تحتَ لوائِه: “لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلَا يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلَا حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لِأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. فَإِنْ كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ إِذًا نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ ٱلْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ” (غلاطية 3: 28 – 29). فالوعدُ هو للجميعِ!

[5] إنه لأمرٌ ذو دلالةٍ أن العهدَ الجديدَ لا يذكرُ صراحةً في أيِّ موضعٍ مسألةَ وعدِ اللهِ لإبراهيمَ بالأرضِ الموعودةِ.  فكلُّ الاهتمامِ منصبٌّ على ملكوتِ اللهِ الروحيِّ.

[6] كان هنالك السبي الأشوري في عام 721 ق. م. بعد سحقِ مملكةِ إسرائيلَ الشماليةِ (2 ملوك 15: 29)، ثم السبيُ البابليُّ في 598 وفي عام 587 ق. م. بعد سحق مملكةِ يهوذا الجنوبية (إرميا 20 – 22؛ 24 – 29؛ 32: 34 – 35).

[7] من المؤسفِ أن خدامًا مسيحيين في الغرب تركوا دعوتَهم إلى الكرازةِ بالإنجيلِ، والتهوا بالخوضِ في مسائلَ سياسيةٍ في مسارٍ خطأ ليعبّروا عن دعمِهم لإسرائيلَ من دونِ فهمٍ صحيح لماهيتِها. ويبدو أنهم يريدون أن يثبتوا أنهم ضليعون في السياسةِ. ومن المؤكدِ أن موقفَهم يعثرُ كثيرين من المسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء، ويُفقِد هؤلاء الخدامَ مصداقيتَهم في وسطٍ لديه قناعاتٌ مبررةٌ تجاهَ إسرائيل، لأن منهم من تضررَ ويتضررُ بسياستِها.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

Skip to content