داود كُتّاب- ملح الأرض

يُرحِّبُ الشعب الأردنيّ بشكلٍ عام، والمكوِّن المسيحيّ بشكلٍ خاصّ، بحضور الكاردينال بييترو بارولين، أمين سرّ دولة الفاتيكان، مبعوثًا بابويًّا باسمه لتدشين كنيسة المعموديّة في الأردن والّذي تتزامن زيارته مع وصول عبر جسر الملك حسين المونسنيور إياد الطوال، الّذي عيّنه قداسة البابا فرنسيس، في 17 كانون الأوّل الفائت، أسقفًا مساعدًا لبطريركيّة القدس للّاتين، ونائبًا بطريركيًّا للّاتين في الأردن.

وفي هذه المناسبة لا بد من إجراء جرد حساب موضوعي وصادق لما قامت به الكنيسة برئاسة البابا فرنسيس لمنطقتنا ومنها مطالباته المستمرّة لوقف إطلاق النّار وتواصله شبه اليوميّ مع خوري اللّاتين في غزّة للاطمئنان على الرّعيّة وعلى الوضع في غزّة بشكل عام والّتي كان آخرها تثبت رمز الكفاح الوطنيّ– الكوفية- ضمن مشهد رمزي في الفاتيكان لقصّة الميلاد المجيد في بيت لحم الفلسطينيّة.

ومع زيارة رئيس وزراء الفاتيكان لابدّ من الإشادة بالعديد من الإنجازات الملموسة لبطريركيّة القدس والّتي شهدت تطورًا في الإدارة والرّعاية والمتابعة اليوميّة والزيارات الرّعويّة.
وقد يكون أهمّ الأمور الّتي تُعبِّر عن شجاعة الكنيسة الكاثوليكيّة قيام البطريرك بيتسابالا بزيارة قطاع غزّة في خضم حرب الإبادة الإسرائيليّة والّتي كان لها أثرٌ مباشر حيث اعتبرتها الرعيّة “رفعًا لمعنويّاتهم” ودعمًا لهم وقضيّتهم وصمودهم.

فقد زار الكاردينال بيير باتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للّاتين، بتاريخ 16 مايو/أيار 2024، غزّة ووصل إلى رعيّة العائلة المُقدّسة في زيارة رعويّة وكان إلى جانب الأبّ غابرييل رومانيلي، كاهن رعيّة غزّة، ووفد صغير حيث التقوا بالسكّان الّذين يعانون، لتشجيعهم وإيصال رسالة أمل وتضامن ودعم. ترأس غبطته القدّاس في كنيسة الرّعيّة مع المجتمع المحلّيّ. وخلال إقامته، قام غبطته بزيارة مجاملة إلى رعيّة القدّيس برفيريوس الأرثوذكسيّة. وقد قام البطريرك بعشرات الزّيارات الرّعويّة شملت إقامة مطوّلة في تلك الأماكن في فلسطين والأردن التقى مع الجميع وسمع لمطالبهم وقدّم المساعدة والدّعم النفسيّ والمعنويّ وأحيانًا الماديّ.

كما لا بدّ من الإشارة للدّعم غير المحدود للعديد من النّشاطات التّعليميّة والصّحيّة والإسكانيّة والقانونيّة في الأردن وفلسطين وقبرص. فقد أسس البطريرك بيتسابالا نظامًا إداريًّا متطوّرًا شمل رقمنة وأتمتة العديد من النّشاطات والمتابعات للمواطنين. والفرنسية وطرق الاتصال مع جميع الرّعاة في الأبرشيّات المختلفة ضمن مسؤوليّة البطريركيّة.

في تطوّرٍ ملفتٍ أصدر البطريرك اللّاتينيّ في القدس قرارًا هامًّا يفتح المجال لكافّة المحامين إمكانيّة التّرافع في المحاكم اللّاتينيّة الكنسيّة. القرار جاء بعد سنة من الحوارات جاء بعضها ضمن دورات قانونيّة في طبريا وبيت جالا والبحر الميت (الجانب الأردنيّ) كما وارتكزت على توصيات شارك فيها كبار القضاة في المحاكم اللّاتينيّة في القدس والنّاصرة وعمّان. شمل قرار غبطة البطريرك إلغاء شرط أن يكون المحامي كاثوليكيّ أو حتّى مسيحيّ، وكان سبب ذلك حسب ما أفاد البطريرك لمن حوله كون نسبة المحامين الكاثوليك وحتّى المسيحيّين قليلة في المشرق. كما وجاء في التعليمات استبدال شرط الدكتوراة في القانون بضرورة المشاركة في عدد من الورشات القانونيّة بما لا يقلّ عن ثلاث دورات تدريبيّة.

كما دعم الكاردينال بيتسابالا القادة القانونيّون في عمّان والقدس للاستمرار وتطوير المؤتمر القانونيّ الإقليميّ حيث شارك في آخر لقاء ضمن أعمال مؤتمر القانون الكنسيّ السنويّ الحادي عشر، من 21 وحتّى 28 تموز، في منطقة البحر الميّت، وشارك في الجلسة الافتتاحيّة من أعمال الدّورة عميد محكمة الروتا الرومانيّة (محكمة الاستئناف العليا في الفاتيكان) رئيس الأساقفة أليخاندرو تشيديلو، وعدد من أعضاء المحكمة الرومانيّة، ويعتبر أهمّ نجاح للبطريرك كون انعقاد مؤتمر القانون الكنسيّ لعشرات القضاة ومحامي المحاكم الكنسيّة والمستشارين النّفسيّين والأطبّاء المشاركين في أعمال هذه المحاكم في كافّة بلاد الشّرق الأوسط من لبنان ومصر وسوريا والعراق والأردن وفلسطين والجليل برئاسة الأبّ إميل سلايطة رئيس المحكمة الكنسيّة في القدس. لقد أصبح المؤتمر القانونيّ موعدًا سنويًّا ينتظره الخبراء من أنحاء الشّرق الأوسط.

وفي تطوّر مهم، نحو الشفافيّة في التعامل مع الرعيّة، قام الكاردينال اللّاتينيّ، بيير باتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للّاتين، بفتح باب المواعيد الإلكترونيّة عبر موقع بطريركيّة اللّاتين لأيّ شخص يرغب بلقاء بطريرك القدس وذلك عبر الرابط، وقد عبَّرَ البطريرك فيه أنّه مستعدّ للقاء أيٍّ من الرّعايا خلال تواجده في هذه الأماكن علمًا أنَّ الصّفحة الرئيسيّة لموقع lpj.org يشمل تقاريرًا إخباريّةً مهنيّةً بخمس لغات هي: العربيّة والإنجليزيّة والإيطاليّة والإسبانيّة.

نسرد هذه الأمور كلّها وغيرها، وقد نشرناها في موقع ملح الأرض خلال السّنوات الماضية وهي تعدّ إنجازاتٍ ملموسةً عبَّرَتْ عن اهتمام الكنيسة برعيّتها والمجتمع المحلّيّ شملت بيانات متعدّدة صدرت عن بطاركة القدس، تؤكِّد الحقّ الفلسطينيّ وتدعم الوصاية الهاشميّة للمُقدّسات المسيحيّة والإسلاميّة في القدس، وتستنكر الاعتداءات على رجال الدّين وأماكن المسيحيّين من قبل المتطرّفين إضافةً إلى العدد الكبير من البيانات الرّافضة لجرائم الحرب في غزّة وباقي فلسطين.

ولكن رغم نشرنا عن تلك الأمور بموضوعيّة ومهنيّة إلّا أنّنا فقدنا عنصرًا مهمًّا في تغطيتنا الصحفيّة وهي تعليقات من الكنيسة على كافّة المجريات الإيجابيّة وبعضها الّتي قد يعتبرها البعض سلبيّة، ولكنها تهم المجتمع المسيحيّ بشكلٍ خاصٍّ والمجتمع العربيّ بشكلٍ عامّ.

فقد قاطعت البطريركيّة التّعامل معنا بعد أنْ نشرنا تقارير موثّقة من محكمة أمريكيّة عن قضيّة الجامعة الأمريكيّة في مادبا، والّتي مرّت ولا تزال تمرّ بوضع صعب، وقد اعترفت البطريركيّة نفسها، في بيانٍ صحفيٍّ، عن وجود خسائر ماليّة تجاوزت مئة مليون دولار، اضطرّت البطريركيّة على أثرها بيع أراضي الكنيسة في الناصرة وهناك تخوّف عن بيع أراضي السالزيان في بيت لحم وغيرها من الأماكن لسداد ديون أشخاص لم يتم لغاية الآن محاسبتهم، ولم تُصدِر البطريركيّة أيّ بيان عمّا جرى ويجري بخصوص الجامعة رغم مطالبة البابا فرنسيس المتكرّرة بضرورة وجود شفافيّة ومصارحة مع الشّعب.

وشمل التعتيم الإعلاميّ أيضًا موضوع نقل النّائب البطريركيّ في الأردن المطران جمال دعيبس لإفريقيا والّذي شكَّل اهتمام العديد من المتابعين للشّأن المسيحيّ رغم غياب المعلومة المؤكّدة حول الأسباب الّتي أدّت إلى القرار ورفض البطريركيّة والمطران نفسه التّعليق على الموضوع. وقد وقَّع أكثر من ألف شخص في فلسطين والأردن والشتات دعوةً للفاتيكان للتّراجع عن القرار تحت عنوان: “أبناء كنيسة القدس أفضل من يخدمها.” كما لم يتم مصارحة الشّعب والرّد على غضب الرّعيّة بلقاء في القدس الغربيّة الرئيس الإسرائيليّ، الّذي برر الاعتداءات الاسرائيلية بقوله انه “لايوجد اي مدنيّين” في غزّة. كما وتمَّ تغييب الرّعيّة في معرفة ما يجري من مصائب ماليّة وأخلاقيّة محلّيًّا ولدى أحد الخوارنة التّابعين للبطريركيّة في الخارج.

وقد يتسأل البعض عن آلية قرار تعيين شخصيّة مُحترمة مطران الأردن فرغم كفاءة المطران الجديد إياد طوال والإشادة به (كما نشرنا في ملح الأرض). فقد تمَّ التّعيين دون تطبيق مبدأ التّشاور consulta المُتعارف عليه في كافّة الأبرشيّات الكاثوليكيّة في العالم، حيث تمَّ تجاوز آباء الأكثر كفاءة، الأمر الّذي أحدث امتعاضًا في البطريركيّة بين الآباء بسبب غياب الشفافيّة وعدم تطبيق مبدأ التّشاور.

الكاردينال بارولين

وضعنا أمامكم إيجابيّات وبعض سلبيّات عمل البطريركيّة ونحن واثقون أنَّ الإيجابيّات تغلب على بعض السلبيّات، إلّا أنَّ عملنا المهنيّ الصّادق يتطلَّبُ أن نعرض كلّ تلك الأمور بعدالةٍ وأمانة راجين أن يتمَّ الاستمرار في الأمور الإيجابيّة ومعالجة بعض السلبيّات والّتي بدون شك سترفع من مكانة البطريركيّة، حتّى لو كان ذلك مع بعض الألم. المحاسبة الدّاخليّة مهمّة وحتّى الألم ضروريّ للشّفاء الكامل. ومع ترحيبنا الصادق لكم تهنئتنا مهمّتكم المباركة في تدشين كنيسة المغطس في شرقي نهر الأردن المبارك.