Skip to content
Skip to content

أقساطٌ مدرسيّةٌ وكتب وقرطاسيّة: معاناةٌ مضاعفةٌ للأُسر المسيحيّة مع بداية العام الدراسيّ

تاريخ النشر: سبتمبر 12, 2025 8:28 ص
aajopening 4 (2)

ملح الأرض – دانيا قطيشات

مع بدء العدِّ التنازليّ لعودة الطَّلبة إلى مقاعدهم الدراسيّة، تبدأ العائلات الأردنيّة بتجهيز الكُتب والقرطاسيّة والزيّ المدرسيّ لأبنائها ودفع الأقساط المدرسيّة، وسط ضغوطٍ ماليّةٍ تتزايد عامًا بعد عام. وتبرز هذه التحدّيات بشكلٍ خاصٍّ لدى الأُسر المسيحيّة الّتي تعتمدُ في الغالب على المدارس الخاصّة التّابعة للكنائس أو المؤسَّسات التّعليميّة المسيحيّة، نظرًا لمستواها التعليميّ العالي ولعدم توفُّر مادّة الدّين المسيحيّ في معظم المدارس الحكوميّة.

هذا الواقع يضع هذه الأُسر بين خيارين أحلاهما مرٌّ: إمّا الاستمرار في تحمُّل كلفةٍ ماليّةٍ عاليةٍ لضمان تعليمٍ متوافقٍ مع معتقداتهم الدينيّة، أو الانتقال إلى المدارس الحكوميّة بما يعنيه ذلك من فقدان هذا البُعد الدّينيّ في التّعليم. ومع ارتفاع الأسعار وتزايد النّفقات الأساسيّة، أصبحَتْ هذه القضيّة محور نقاشٍ واسعٍ بين الأهالي ومؤسَّسات المُجتمع المدنيّ، في محاولةٍ لإيجاد حلولٍ عمليّةٍ تُخفِّفُ من هذه الأعباء وتُحقِّقُ العدالة التّعليميّة لجميع المواطنين.

فالعائلات المسيحيّة ليسَتْ استثناءً، فهي تواجه ذات التحدّيات الاقتصاديّة، من ارتفاع الأسعار وتزايد النّفقات، ورغبةً في توفير أفضل تعليمٍ مُمكنٍ ومراعاة الالتزاماتِ اليوميّةِ، ممّا يجعل بداية العام الدراسيّ اختبارًا حقيقيًّا لقدرة الأسرة على التّكيف.

تراجع الإقبال على المدارس الخاصّة المسيحيّة لصالح الحكوميّة بسبب فقدان الوظائف وغياب الدّعم

وفي حديثٍ مع مديرة مدرسة المُخلِّص الثانويّة في الزرقاء، دعاء بشارات، أشارَتْ إلى أنَّ بداية كلِّ عامٍ دراسيٍّ تُشكّلُ تحدّيًا ماليًا حقيقيًّا. فالكثير من الأسر تؤخِّرُ تسجيل أبنائها بسبب تأخُّر صرف الرّواتب أو البحثِ عن مدارس بأقساطٍ أقلَّ. كما أنَّ العديد من العائلات تُركِّزُ أوّلًا على تأمين الكُتُب والقرطاسيّة، وأحيانًا تلجأ إلى الاستعارة، في محاولةٍ لتخفيف العبء المالي قبل تسجيل أبنائها.

مديرة مدرسة المخلص الثانوية في الزرقاء دعاء بشارات

وأضافَتْ بشارات لـ ملح الأرض أنَّ مُعدّلات الإقبال على التّسجيل هذا العام شهدَتْ تغيّرًا ملحوظًا مُقارنةً بالسّنوات السّابقة، مُرجّحةً أنَّ السَّبب يعود لتزامن فترة التّسجيل المدرسيّ مع بدء الجامعات في استقبال طلبات الطلّاب النّاجحين في الثانويّة العامّة، ما يضطرُّ العديد من الأسر لإعادة ترتيب أولويّاتها الماليّة، خاصّةً إذا كان لديها أبناءُ في مراحل عمريّةٍ مُختلفةٍ. وأوضحَتْ أنَّ الجامعات لا تُتيح خيار تقسيط الرّسوم، ممّا يزيد الضغط على الأهالي ويؤخِّرُ تسجيل أبنائهم في المدارس.

وأكَّدتْ بشارات أنَّ المدرسة، بصفتها مؤسَّسةً تعليميّةً غير ربحيّةٍ تابعةٍ للمُطرانيّة الأسقفيّة العربيّة، تحرصُ على التخفيف من الأعباء الماليّة قدر الإمكان، عبر تقسيط بعض الرّسوم مثل النّقل، وتقديم تسهيلاتٍ خاصّةٍ للأُسر الّتي لديها أكثر من طالبٍ. كما أشارَتْ إلى مساهمة أصحاب الأيادي البيضاء في دعم الطلّاب غير القادرين على دفع كامل الرّسوم، مؤكِّدةً في الوقت ذاته أنَّ هذه التسهيلات لا تمسُّ بحقوق العاملين، إذ تُولي المدرسةُ اهتمامًا بالحفاظ عليها كاملةً.

ورغم هذه الجهود، لاحظَتْ بشارات تراجُعًا في مُعدّلات التّسجيل بالمدارس الخاصّة المسيحيّة لصالح المدارس الحكوميّة، مُشيرةً إلى أنَّ فقدان بعض الأهالي لوظائفهم أثّر بشكلٍ مباشرٍ على قدرتهم على دفع الأقساط. وأوضحَتْ أنَّ الحلَّ الأمثل يكمن في إصدار قوانين عادلةٍ للطّرفين، من قبل وزارة التربيّة والتّعليم، إذْ إنَّ القوانين الحاليّة لا تُوفِّرُ الدَّعم الكافي للمدارس الخاصّة ممّا يضع المدارس الخاصّة والأهالي في تحدٍّ على حدٍّ سواء.

تعزيز القيم التربويّة ومواجهة ضغوط المظاهر بين الطلّاب

سلام مدانات- المدير العام لأكاديمية التحالف الأردنية

ومن زاويةٍ أُخرى، التقتْ مجلّةُ ملح الأرض بمدير عام مدرسة “أكاديمية التحالف” في ضاحية العاصمة الأردنيّة اليادودة، سلام مدانات، إذْ أوضحَتْ أنَّ بداية العام الدراسيّ تأتي عادةً مع قائمةٍ من المستلزمات الضروريّة مثل الكتب والزيّ المدرسيّ، إلى جانب تسجيل الطلّاب في أنشطةٍ تعليميّةٍ لامنهجيّةٍ اختياريّةٍ. وأوضحَتْ أنَّ المدرسة توفِّر بعض هذه الأنشطة مجانًا خلال ساعات الدوام، بينما تكون بعض البرامج الأُخرى مدفوعةً لمن يرغب، في محاولةٍ لتقليل العبء الماليّ عن الأُسر.

وعن الأقساط المدرسيّة، أشارَتْ مدانات إلى أنَّ المدرسة تقدِّم خُطط دفعٍ مُيسَّرةٍ تشمل الشيكات البنكيّة أو الكمبيالات، موزّعةً على عدّة أشهرٍ بما يتناسب مع ميزانية الأهالي. وأضافَتْ لـ ملح الأرض أنَّ هناك خصمًا تشجيعيًّا لمن يُسدِّدُ كامل الرّسوم قبل موعدٍ مُحدَّدٍ، بالإضافة إلى تسهيلاتٍ تقدِّمها بعض البنوك عبر البطاقات الائتمانيّة، ممّا يسمحُ بدفع الأقساط بدون فوائد.

أمّا فيما يخصُّ غرس القيم التربويّة ومواجهة ضغوط المظاهر والكماليّات، فأوضحَتْ سلام مدانات أنَّ المدرسة تعتمد على دائرة “تطوير الحياة” الّتي تنظِّم ورشاتٍ وندواتٍ توعويّةً للطلّاب والأهل، مع استضافة أخصائيين مُتخصِّصين. كما أشارَتْ إلى وجود تعليماتٍ حازمةٍ بخصوص الزيّ المدرسيّ والالتزام بعدم ارتداء المجوهرات أو الإكسسوارات الّتي قد تُضخِّم الفروقات بين الطلّاب.

وعن أبرز التحدّيات الّتي يواجهها الأهالي، شدَّدَتْ مدانات على الجانب الماليّ، من رسومٍ وكتبٍ وقرطاسيّةٍ، مؤكِّدةً أنَّ المدرسة تسعى قدر الإمكان لتوفير تسهيلاتٍ تُساعد الأهل على مواجهة هذه الضغوط، مُشيرةً إلى أهمّيّة التخطيط الماليّ للعائلة لتجنُّب الأزمات قبل بدء الدّراسة.

وأشارَتْ مدانات إلى أنَّ الحكومة يُمكن أنَّ تلعب دورًا داعمًا من خلال تخصيص دعمٍ ماليٍّ للأهالي المُتعثِّرين، أو لأولئك الّذين لديهم أبناءٌ من ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى تخفيض رسوم تجديد الرُّخص المدرسيّة وفتح البرامج الأجنبيّة الّتي ارتفعَتْ تكلفتها إلى الضُّعف تقريبًا، مؤكِّدةً على ضرورة مُساندة القطاع الخاصّ الّذي يوفِّر تعليمًا عاليّ الجودة ويُخفِّفُ العبء عن الدّولة.

أولياءُ أمورٍ: “الأقساطُ عبءٌ أكبرُ من القرطاسيّة… ونضطرُّ لإعادة استخدام المُستلزمات القديمة”

وبينما تحاول المدرسة التّخفيف من الضغوط الماليّة على الأهالي، تظهر الصّورة الواقعيّة للتحدّيات من خلال تجربة أولياء الأمور المُتكرِّرة في كلِّ عامٍ. ففي مقابلاتٍ أجرتْها مجلّة ملح الأرض مع عددٍ من أولياء الأمور، أكَّدَ جريس والد الطّالب عيسى، على أنَّ الاستعداد للعام الدراسيّ يبدأ عادةً بشراء الكتب والقرطاسيّة والزيّ المدرسيّ، إلّا أنَّ الأقساط المدرسيّة تُمثّل العبء الأكبر، خاصّةً للعائلات الّتي لديها أكثر من طفلٍ في المدرسة.

وأضاف أنَّ الأسعار للقرطاسيّة مُناسبة ومتنوِّعة، بينما كتب المدارس مرتفعةٌ جدًّا، ممّا يجعل شهر الاستعداد يتطلَّبُ تقنينًا في الصرف خلال الشهر الّذي يسبقه.

وفي تجربةٍ مُختلفةٍ، لفت وليُّ أمرٍ آخرُ، المحامي خلدون والد التوأم تاليا وخضر، إلى أنَّ التّعامل مع التّكاليف يكون أكثر واقعيّةً، إذ أنَّه يكتفي بشراء الضروريّات مؤقّتًا، مؤجِّلًا الكماليّات، مُستفيدًا من مُستلزمات السّنة الماضية إذا كانت بحالةٍ جيّدةٍ.

أمّا أبو فادي، أحد أولياء الأمور، فقال لـ ملح الأرض إنَّ جميع الأهالي يرغبون في توفير كلِّ المُتطلّبات لأبنائهم، لكن من الضروريّ إقناعهم بالرّضا بما هو مُتاحٌ. مُضيفًا: “نتمنّى من كلِّ مدرسةٍ أنْ تغرس القيم المعنويّة والرِّضا في نفوس الطلّاب بعيدًا عن الماديّات والكماليّات، وأنْ تُقلِّلَ من المطالب على الأهالي، مُتأمِّلًا أنْ تدرس الحكومة أسعار الكتب المدرسيّة والمُستلزمات التّعليميّة خاصّةً في المدارس الخاصّة”.

أصحابُ المكتباتٍ: “الدفتر والقلم لا غنى عنهما… والإقبال تراجع على الكماليّات”

وفي ظلِّ الضُّغوط الاقتصاديّة الّتي تواجهها الأُسر، كان لا بدَّ من الوقوف عند زاوية المكتبات الّتي تشهد حركةً مُتزايدةً مع اقتراب العام الدراسي. إذ التقتْ ملح الأرض بالسيّد حازم وهو صاحب إحدى المكتبات في السلط، حيثُ أكَّد أنَّ أسعار القرطاسيّة ارتفعَتْ بنسبةٍ تصل إلى 10% عن العام الماضي، لا سيّما الدفاتر والأقلام وبقيّة المُستلزمات المدرسيّة، ما دفع العائلات للاتجاه أكثر نحو البدائل الصينيّة مُقارنةً بالماركات العالميّة.

وأشار حازم إلى أنَّ تجهيز المُستلزمات غالبًا ما يبدأ عند نزول الرَّاتب، مع تقسيم المُشتريات على مراحل حسب الضرورة، إذْ يبقى الدفتر والقلم أدواتٍ أساسيّةً لا يمكن الاستغناء عنها في عمليّة التّعليم. مُضيفًا أنَّ الإقبال على شراء الحقائب المدرسيّة والأدوات المُميّزة قد تراجع كثيرًا، وانحصر الطَّلب على المُستلزمات الأكثر ضرورةً وعند طلب المُعلّمين فقط.

 وبيَّن صاحب المكتبة أنَّ الأسعار تختلف بشكلٍ واضحٍ بين المكتبات الكبيرة والصغيرة، اعتمادًا على الكمّيّات المُستوردة أو طريقة الاستيراد، مع تحذيره من بعض المكتبات الّتي تبيع بضاعةً رديئةً. ونصح الأهالي بشراء الأدوات اللّازمة وبنوعيّةٍ جيّدةٍ حتّى تطول فترة استخدامها، مؤكِّدًا أنَّ دور الحكومة أو المدارس يجب أنْ يشمل رصد مبلغٍ ماليٍّ لكلِّ طالبٍ لضمان حصوله على تعليمٍ صحيحٍ وكافٍ.

أولياءُ الأمورِ في المكتبات: العروض وإعادة الاستخدام

ولم تقتصر استراتيجيّات الأهالي على الموازنة الماليّة في البيت فقط، بل امتدَتْ إلى الاستفادة من العروض والمهرجانات. إذْ قالت سارة حداد، وهي إحدى الأمّهات، إنَّ الكثير من الأهالي يعتمدون على عروض العودة للمدارس ومهرجانات التخفيضات لتقليل الأعباء الماليّة، مُشيرةً إلى أنَّهم يُخطِّطون لشراء المُستلزمات الضروريّة أوّلًا، ثمَّ يستفيدون من الخصومات على الكماليّات لاحقًا، بما يضمن الاستفادة القصوى من الميزانيّة دون التّضحية بجودة الأدوات.

ولفَتْ وليُّ الأمر عامر النبر، إلى أنَّه كوالدٍ لثلاثة أطفالٍ يرتادون إحدى المدارس الخاصّة، دائمًا ما يحرصون على إعادة استخدام بعض الأدوات المدرسيّة من السّنة السّابقة، مثل الحقائب أو الدفاتر القابلة للاستخدام أو الأقلام غير المُستهلكة، شريطة أنْ تكون في حالةٍ جيّدةٍ. وأضاف أنَّ هذا الأسلوب لا يُخفِّفُ فقط العبء الماليّ عن الأسرة، بل يُعلِّم الأطفال قيمة المحافظة على ممتلكاتهم وكيفيّة التّقدير والاعتناء بما لديهم قبل التّفكير بشراء الجديد.

ومع انطلاق العام الدراسيّ، تبقى التحدّيات الاقتصاديّة حاضرةً في ذهن كلِّ أُسرةٍ مسيحيّةٍ، ممّا يجعل موسم العودة إلى المدارس اختبارًا مُتجدِّدًا لقدرة الأهالي على الموازنة بين طموحات أبنائهم التّعليميّة والقدرة الماليّة للأسرة.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment