السابق عائلات أردنية مسيحيّة تحقق حلم “التبنّي” في الخارج
رابط المقال: https://milhilard.org/bh20
تاريخ النشر: يناير 24, 2022 5:09 م
رابط المقال: https://milhilard.org/bh20
بقلم: بطرس منصور
أكدت إحصائيات الدائرة المركزية للإحصاء في إسرائيل حول أوضاع المسيحيين الفلسطينيين في الداخل (والتي نشر المغطس أجزاء منها https://milhilard.org/2021/12/5030/ ) ما عرفناه سابقًا وهو صحيح أيضًا حيال أوضاع المسيحيين عامة في بلاد الشرق الأوسط. فهي تشير أنهم من أكثر الفئات المجتمعية تعلمًا، إذ يضحّي المسيحيون بشكل خاص في سبيل دراسة عليا لأولادهم وإن تطلب الأمر السفر لأقاصي الأرض. وحيث أن اكتساب العلم والحصول على الدرجات العلمية المتقدمة هو رافعة للتقدم الاقتصادي، فأن كثير من المسيحيين العرب يحتلون الطبقة الوسطى وأحيانًا العليا، بنسب أعلى من نسبتهم في المجتمع.
ولا شك أن ذلك مدعاة للفخر (وإن كان يتوجب الحذر ألا يتحول لكبرياء) وسبب لرفعة الدول التي يعيشون فيها، ولا أبغي هنا التحريض على إهمال سبيل تسلق جبال العلم، وإنما التحذير من نتائج ممكنة لهذا الطريق.
يرافق اكتساب الدرجات العلمية العليا وممارسة المهنية في العمل زيادة في الدخل وبالتالي ارتفاع في مستوى المعيشة. ويترجم ذلك في سعي للرفاهية الشخصية التي تتمثل في الاستهلاكية المفرطة على جوانبها المختلفة وحب السفر وقضاء أوقات الفراغ في التسلية وغيرها.
وقد يقول قائل إن المتعلمين محصنون من “مغبّة” هذا النجاح. ولكن نيل الشهادات العليا لا يعني بالضرورة أن مكتسبيها هم من المثقفين أو حاملي القيم السامية. فالجامعات ليست بالضرورة مكانًا للتهذيب. ومواضيع الاختصاص في الجامعات تتفاوت من حيث نوعيتها وما تقدمه للطالب. فبعض المساقات الجامعية تقني للغاية ويهيئ الطلاب لنجاح في مهنة محددة دون أي إرساء للقيم. وبعضها الآخر يقدم نظريات عديدة دون علاقة بقيم مفيدة لخير المجتمع وبعضها لربما يساهم في تشكيل شخص مهذب ومثقف للإنكشاف على تجارب المجتمعات وغيرها. كما لا تخلو الحياة في الحرم الجامعي من المر والحلو في حياة الشباب مع أنها بمثابة معمل لصقل الشخصيات- للأفضل أو للأسوأ.
وطبعًا لا أعترض على حب العلم وارتياده ولا حتى على حق كل من يتعب ويسهر في عمل مضني أن يتمتع بثمار تعبه. ولكن الثقافة التي تكرّس العلم والتقدم وبالنتيجة إلى النجاح الاقتصادي قد تقود إلى منافسة تشوبها الغيرة وبالتالي اقتتال. ويتخذ الاقتتال شكلًا مستترًا فيمن أبني بيتًا أفخم وفيمن أرتدي أزياء ذات ماركات أكثر شهرة وفيمن أقتني سيارة أكثر تقدمًا وثمنًا باهظًا.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك ولكن هذه المنافسة المريضة قد تقود إلى رغبة جامحة لكسب الأموال بطرق غير مشروعة مثل شركات الفوريكس أو استقراض المبالغ من البنوك أو من السوق السوداء بفائدة عالية وغيرها، وكل ذلك في سبيل التشاوف وتقديم “البرهان” المادي للمجتمع بأنه أكثر نجاحًا.
لا شك أن مثل هذا التوجه يدهور صاحبه ويقدم الإثبات أن صاحبه أبعد ما يكون عن الثقافة ولم يفقه كنة العلم والتقدم.
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.