
السابق أجواءُ المحبّةِ تُضيءُ العقبة: احتفالاتٌ ميلاديّةٌ تجمع العائلات وتعاونٌ بين الكنائس- صور وفيديوهات

خاصّ – ملح الأرض
قدّم رجل الأعمال أسامة امسيح محاضرةً مُلهمةً أمام طلّاب أكاديميّة التّحالُف الأردنيّة في اليادودة يوم السبت 22 تشرين الثّاني، استعرض فيها رحلة الكفاح الّتي خاضها والده الرّاحل كرم امسيح مُنذ تهجيره طفلًا من الّلد عام 1948، وصولًا إلى بناء إمبراطوريّة عائليّة في عالم الذّهب والصّياغة والتّجارة، قبل أنْ ينتقل لرواية تجربته الشّخصيّة في تطوير أعمال العائلة وإدخال التّكنولوجيا والتّصنيع الحديث.

المحاضرة المُلهمة جاءت ضمن اليوم المهني الّذي تنظِّمه الأكاديميّة لطلّاب الصّفوف العُليا. وقد شارك في اليوم المهني الأستاذ خلدون سلايطة – القانون، الدُّكتور حيدر القسوس – طب الأسنان وتجميل الوجه، ليث الفرج – أمن المعلومات والسيبراني، يواكيم حبش – شبكات الاتصال، يوسف رضا – التسويق، ينال الريحاني – طيّار، ودارين حنون – الموارد البشريّة.
“في الحياة إمّا أنْ تكون غزالًا سريعًا أو أسدًا أسرع”
بدأ امسيح حديثه برسالةٍ تحفيزيّةٍ ركّز فيها على ضرورة الاجتهاد والمُثابرة، بعيدًا عن ثقافة الانتظار والاعتماد على الآخرين، مُضيفًا: “الغزال يركض في الصباح لأنّه يهرب من الأسد، والأسد يركض ليعيش. في الحياة إذا كنت أبطأ غزال سيأكلك أسد أسرع، وإذا كنت أسد بطيء فلن تعيش”، مُعتبرًا أنَّ النجاح الأكاديمي والمهني يحتاج إلى عقلٍ يُفكِّر، لا عقل يكتفي بتلقّي المعلومة.
من طفولةٍ صعبةٍ في الّلد إلى بدايات الكفاح في عمّان
وُلِدَ كرم امسيح عام 1938، ومع النّكبة عام 1948 اضطرَّ وهو في سنِّ العاشرة إلى النّزوح مع والدته وإخوته إلى رام الله ثمَّ عمّان. لم يكن مع العائلة مال أو سيّارة أو ممتلكات، فبدأ الطّفل الصّغير العمل فورًا من أجل إعالة أسرته.
كان يجمع أكياس الإسمنت الكبيرة من الورشات، يعطيها لوالدته لتنظيفها وقصّها لإعادة بيعها بأحجامٍ أصغر. ثمَّ بدأ ببيع الترمس، والكعك، والدخان، والبوظة، لتأمين لقمة العيش لأسرته، بينما كان شقيقاه في مدارس راهبات داخليّة بسبب ضيق الحال.
من عامل نظافة عند صائغ أرمني… إلى امتلاك أوّل مشغل
في سنِّ الخامسة عشرة عمل لدى صائغٍ أرمنيٍّ كان يرفض تعليمه المهنة، مُكتفيًا بتكليفه بتنظيف الدكّان وشراء الخضار. لكنَّ الفتى كان يراقب كلّ حركةٍ، ويُطبّق ما يراه نهارًا على قطع النّحاس والفضّة ليلًا، مستخدمًا ذهب شقيقاته لتعلُّم الصياغة.
وبعد أشهرٍ، هاجر الصّائغ الأرمنيّ إلى أستراليا، فاشترى كرم المشغل منه، وبدأ في تكبيره وتوظيف العمّال والسّفر إلى حلب لشراء الأحجار الكريمة وبيعها في مصر، ليُصبح من أبرز الصّاغة في المنطقة.
نذر للعذراء يتحقَّق بعد 40 عامًا
روى أسامة أنَّ والده شاهد وهو طفل تاجًا بلاستيكيًا على تمثال للعذراء، فقال في نفسه ” إذا الله أعطاني، سأعيد صنعه ذهبًا.” وبعد أربعين عامًا، نفّذ وصيّته وقدّم تاجًا ذهبيًا للكنيسة.
أسامة ومساعدة والده: العمل منذ المدرسة وبناء الشّخصيّة
انتقل أسامة لسرد تجربته الخاصّة، حيث كان ينزل بعد المدرسة يوميًّا إلى محلِّ والده في وسط البلد للمساعدة. هذا الاحتكاك المُبكِّر بالتّجارة جعله يفهم المحاسبة والبيع والشراء وقواعد العمل، وساهم في رفع علاماته الدّراسيّة.
كما روى قصّة تحدّيه لأستاذٍ جامعيٍّ حاول انتقاده، قبل أنْ يُثبت صحّة إجابته عبر الاتصال بمدير التّسهيلات في البنك. “لو لم تكن شخصيّتي قويّة لما صرت قائدًا، ولا رئيس نقابة لمدة 14 سنة” يقول أسامة.
إدخال الكمبيوتر والفاكس إلى الشّركة رغم رفض الأب
في إحدى المراحل، قرَّر أسامة تحديث العمل عبر إدخال الكمبيوتر. لكن والده رفض الفكرة قائلًا: “كمبيوتر؟! شو هالحكي؟” فكان أسامة يعمل سرًّا على تطوير البرنامج ليلًا إلى أنْ تمَّ إنجازه، ثمَّ اشترى أوّل جهاز فاكس بـ 1100 دينار، رغم استهجان والده للفكرة.
ومع الوقت، بدأ إدخال أنظمة محاسبيّة، وموارد بشريّة، وضبط سجلّات الذّهب، الأمر الّذي كشف عن مخالفاتٍ وسرقاتٍ داخل الشّركة، فاضطرَّ إلى فصل تسعة موظّفين كانوا في مناصب مركزيّة ليُعيد ضبط العمل.

قصّة التوسُّع إلى التّصنيع: من فنجان شاي… إلى مصنع ذهب في البيادر
يصف أسامة نقطة التحوُّل حين جاءه مديرٌ هنديّ يقترح تأسيس مصنع ذهب في الأردن. رفض والده الفكرة في البداية، لكنَّه سمح له بالاستماع للرجل فقط “على فنجان شاي”
يقول أسامة: ” قبل أنْ ينتهي فنجان الشاي كنّا متفقين”.
بعد الاتفاق، استلم أسامة المهمّة كاملةً من العثور على موقعٍ للمصنع وتجهيز البنية التّحتيّة وتركيب الماكينات إلى الحصول على الموافقات الحكوميّة وتعيين العُمّال وبدء الإنتاج.
وخلال تسعة أشهر فقط، كان المصنع في البيادر يعمل بكامل طاقته… وعندما شاهد الأب البضاعة لأوّل مرّة قال: “من وين جايب البضاعة الحلوة”؟ فأجابه أسامة: “من مصنعنا”.
كانت تلك اللّحظة نقطة التحوُّل في قبول الأب بفكرة التصنيع.
الرسالة للطُّلّاب: إنْ لم تصنع مُستقبلك… سيصنعه غيرك
اختتم أسامة محاضرته قائلًا: “إذا لم تكن تعرف ماذا تريد، ولم تكن واثقًا من نيّتك في عمل الخير وتطوير نفسك، ستعيش على هامش الحياة. أمّا إذا كنت صاحب قرارٍ، فستستطيع أنْ تصنع شيئًا مُمتازًا”، مُضيفًا أنَّ إيمان الإنسان وعلاقته مع الله، وبناء العلاقات الجيّدة والعمل بلا كلل هي من مقوِّمات النجاح.



تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.
No comment yet, add your voice below!