بقلم: بطرس منصور
طلب الرب من اتباعه ان يكونوا ملحًا للأرض (متى 5: 13)، واراد ان ينطبق هذا التشبيه عليهم في كل زمان ومكان. وقد كثرت المواعظ والكتابات والتأملات حول معنى هذا التشبيه. فقد أراد المؤمنون بيسوع اطاعته وبصدق أرادوا ان حياتهم وشخصياتهم ودورهم في العالم يشابه فعلًا في عمله وتأثيره الملح. وقد جاءت كثير من التفسيرات بشروحات عن دور الملح وكان أهمها: انه يعطي النكهة والطعم للطعام (ونحن الشرقيون ممن نهوى البهارات في طعامنا اكثر من يستوعب ذلك) او كونه حافظ للطعام يمنع فساده. أي ان المؤمنون من اتباع المسيح يعطون مجتمعاتهم الطعم ويحفظونه من الفساد.
ويمكن للمرء ان يسبح في فضاء هذه التشابيه المعبّرة ويقترح تطبيقها في مجالات الحياة في شرقنا الحبيب.
فالمسيحيون مطالبون ورغم قلة عددهم بان يمنحوا بملحهم طعمًا زكيًّا لاوطانهم. بدونه يكون الطبيخ فاقد الطعم ويسدّ الشهيّة. بدونه تكون مجتمعات بلا ابداع او تطور او رونق. بدونه تكون البلاد ذات طابع ممل ولا تفتح الشهية لكي تنهل الشعوب من محبة الأوطان. يمنحون الملوحة بالعلم والرياضة والفن وبمعاضدة المسكين والتكافل الاجتماعي.
كما ان للمسيحيين دور في حفظ اوطانهم من الفساد. فهم صوت نبوي ناطق بكلمة الحق امام أي باطل. كما انهم يقدمون باستقامتهم نموذجًا لكل من حولهم عن طريقة الحياة المثلى وبهذا يساهمون في إرساء قيم العدل والاستقامة في المجتمع ككل.
ولكني تساءلت امام هذه التشابيه المحفزة- الا يجدر بنا ان نجري تقييمًا لمدى الفعالية لكي نفحص ذواتنا كمسيحيين وهل نقوم بدورنا كما يتوجب من وصية الرب لنا؟
ولكن كيف يمكننا فحص مدى فعالية الملح وهل يقوم بدوره في مجال ادخال النكهة او في مجال حفظ المجتمع من الفساد؟ كيف للمسيحيين (والمفروض ان يكونوا ملحًا) ان يفحصوا بأنفسهم ان كان تأثيرهم هو فعلًا مثل الملح؟ هل يستطيع من هو في الاختبار نفسه ان يفحص ان كان الاختبار ناجح؟ الا نحتاج الى نظرة عليا وخارجية للتأكد من مدى فاعلية الملح وتأثيره؟
اخشى اننا كمسيحيين نوهم انفسنا احيانًا ان مفعولنا كملح للأرض قوي ولكن الواقع غير ذلك. فاحيانًا تختلط علينا الأمور ولا نفصل ما بين الواقع ومدى التأثير الموضوعي للمسيحيين على المجتمع ككل وما بين ما يطلبه الرب منا وتشجيعه لنا. ويعيش بعض المسيحيين حالة ثقة ضخمة بالنفس لا تمت بصلة للواقع ويعتقدون انهم يعملون فرقًا في العالم ويغيًرون المجتمعات وان تأثيرهم هائل مع ان الواقع غير ذلك. ويعود ذلك ان من هو متداخل كجزء لا يتجزأ من “الطبخة” لا يعرف تمامًا طعمها ومدى منعها للفساد.
فحص الفعالية يتطلب أدوات فحص موضوعية وليس مشاعر او تخيّلات او نظريات مبنيّة على الإحساس فقط.
فمثلًا يتوجب إعطاء المعلومات عن نسبة المسيحيين الذين حصلوا على درجات تعليمية عليا مقارنة بسنوات سابقة ومقارنة بباقي المجتمع؟ او مثلًا ما هي اعداد غير المسيحيين الذين تعلّموا في المؤسسات والمعاهد المسيحية وهل هي بازدياد وما هي نتائج دراستهم من حيث منحى الحياة الذي يعيشونه وهل يطابق “ملح الأرض”؟ وما هي المعطيات العينية التي تبرز بوضوح كيف اثّر المسيحيون على الاقتصاد وعلى السياسة والفن والرياضة ؟ ما هو دور المسيحيين المحدد في إرساء أسس العدل الاجتماعي في قضايا مجتمعية او في المحاكم او في تعامل السلطة مع الشعب وغيرها؟ ما هي اعداد المرتادين لخدمات الكنائس مقارنة بأوقات سابقة وكيف يتجلى كوننا ملحًا على كيفية تأدية الكنائس لدورها في نشر البشارة وتلمذة النفوس ومساعدة الفقير وغيرها؟
يا ليتنا نقوم بفحص ذواتنا بأدوات صحيحة وبمعايير موضوعية لتقييم مدى تطبيقنا لطلب الرب ان نكون ملحًا- حتى نقدر ان نرتقي لمراحل جديدة متقدمة في مهامنا ونفرح قلب سيدنا باننا فعلًا نورًا في الأرض.