Skip to content

مسؤوليّتنا نحو الوجود المسيحيّ

رابط المقال: https://milhilard.org/9uo9
تاريخ النشر: نوفمبر 24, 2024 4:35 م
رولا-سماعين
رابط المقال: https://milhilard.org/9uo9

رلى السماعين

مع اقتراب عيد الميلاد المجيد ورأس السّنة الجديدة، تدور في المجالس الاجتماعيّة أحاديث شبه «تشاؤميّة» عن مستقبل الوجود المسيحيّ في الشّرق الأوسط الّذي بدأتْ ملامح اختفائه واضحة، الأمر الّذي لا ينبئ بخير قادم ما لم تتنبّه المجتمعات لخطورة هذا النقص الحادّ في مجتمعاتنا. المتفائلون يشدِّدون بأنَّ انحسار الوجود المسيحيّ ليس بأمر حتميّ أو مصيريّ، بل يمكن تداركه بالتخطيط والتّنفيذ السّريع.
بداية الوجود المسيحيّ كما يشير التّاريخ والتّأريخ الدّينيّ، هو في الشّرق الأوسط، وبالتحديد في فلسطين، من بيت لحم وثمَّ من القدس، ومن هناك انتشرتِ المسيحيّة بسرعة في كافّة الاتّجاهات، إلى مصر وشمال أفريقيا، إلى سوريا، إلى آسيا الصّغرى، إلى قبرص واليونان وإيطاليا وأوروبّا.
تأثير هذا الوجود على الحضارات، كما يشير المؤرِّخون، شمل مجالات الحضارة كافّةً. فقد أثّرت المسيحيّة بشكل كبير على المجتمعات ككلّ، بما في ذلك الفنون واللّغة والحياة السّياسيّة والقانون، كما كانت مصدرًا رئيسيًّا للتّعليم، فقد تمَّ تأسيس العديد من المدارس والجّامعات في العالم من قِبَل الكنيسة.
ترك الوجود المسيحيّ تأثيرًا كبيرًا على الحضارة الغربيّة، فقد شكلَّتِ التّعاليم المسيحيّة واحدةً من ركائز تلك الحضارة الّتي أثّرت طريقة التّفكير الغربيّة إلى ما يقارب ألفيّ سنة من تاريخ العالم الغربيّ.


أثّرت المسيحيّة بشكل كبير على المجتمعات ككلّ، بما في ذلك الفنون واللّغة والحياة السّياسيّة والقانون



في منطقتنا، لعب المسيحيّون العرب دورًا رئيسيًّا في مجالات متعدّدة، وبالذّات في الثّورة العربيّة الكبرى كمشروعٍ قوميٍّ،كما جاء في كتاب «حصن السّلام، التّجربة الأردنيّة في الحوارات ما بين اتّباع الأديان ونموذج العيش المشترك»، مؤلّفه كاتبة السّطور، يقول الكتاب: «كان لشخصيّات مسيحيّة عربيّة تأثيرًا رئيسيًّا على النّهضة الفكريّة… وتطوير اللّغة العربيّة، منهم اسكندر عمون، جورج حدّاد، عودة القسوس، نجيب عازر، يوسف الحايك، وجورج أنطونيوس الّذي التقى الشّريف حسين بن علي في منفاه في قبرص…. ولعبوا دوراً كبيراً منذ بداية الكيان الوطنيّ في عام 1921.»
وكما قال جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله، في مؤتمر «التحدّيات الّتي تواجه المسيحيّين العرب» عام 2013: «… كما نؤمن أنَّ حماية حقوق المسيحيّين واجب وليسَ فضلاً أو مِنّةً، فقد كان للمسيحيّين العرب دور كبير في بناء مجتمعاتنا العربيّة والدّفاع عن قضايا أمّتنا العادلة.»
وأكد جلالته بشكل مستمرٍّ أنَّ حماية الأماكن الُمقدَّسة المسيحيّة في القدس هو جزء لا يتجزّأ من سياسة الأردن لحماية الوجود المسيحيّ.
وفي إحدى خطاباته في الكونغرس الأمريكيّ قال جلالته: «لا تزال هناك كنائس في القدس، ولكن عدد المؤمنين انخفض إلى بضعة آلاف. هل نريد كنائس فارغة؟ نحن لا نقبل ذلك في الأردن».


الوجود المسيحيّ كان ولا يزال فاعلًا وايجابيًّا في مجتمعاتنا. غياب الوجود له تبعات قاسية على المنطقة



الوجود المسيحي الآن في انحسار. تبعات التّفريغ المسيحيّ بات أمراً واقعاً ومرعباً في الشّرق الأوسط. الكنائس في الشّرق الأوسط تفقد أعضاءها بسبب الهجرة، والأسباب متعدّدة، منها الاضطهاد والتضيّيق الّذي يُمارس عليهم وبالذّات في فلسطين. وعلى مدى العقد الماضي، شهد العراق وسوريا، وفلسطين، ومصر ولبنان نزوحاً وتهجيراً.
في الأردن، موجات الهجرة مستمرّة بوتيرة ملحوظة وغالباً ما تكون مدفوعة بأسباب اقتصاديّة بحثاً عن فرص حياتيّة أفضل في ظلِّ تحدّيات معيشيّة متعدّدة. وقد برز عامل آخر، يتمثّل في البحث عن حياة هنيئة بعيدة عن التوتّرات والاضطرابات السّياسيّة الّتي تشهدها المنطقة.
بالمختصر، الوجود المسيحيّ كان ولا يزال فاعلًا وايجابيًّا في مجتمعاتنا. غياب الوجود له تبعات قاسية على المنطقة بأشملها، لأن تأثير التّفريغ سيشمل الحياة الثقافيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة، وسيؤثِّر مباشرةً على غياب التّوازن الدينيّ الّذي تشتهر به منطقتنا، وسيفتح المجال للنّزاعات الطائفيّة والانقسامات لتحلّ مكان الحوار والتّفاهم الّذي هو حجر الأساس للاستقرار.


علينا أن نتحرَّك كأفراد ومجتمعات لوضع خطّة علميّة سريعة التّطبيق للحفاظ على ما تبقّى من «ملح الأرض»


السؤال الّذي يفرض نفسه: لصالح من هذا التّفريغ ومن يخدم؟
علينا أن ندرك التّبعات الوخيمة لاختفاء الوجود المسيحيّ الّذي وسم الشّرق الأوسط، وأنْ نتحرَّك كأفراد ومجتمعات لوضع خطّة علميّة سريعة التّطبيق للحفاظ على ما تبقّى من «ملح الأرض»، يشمل ذلك الاستمرار في إقامة ندوات تُعزِّز الحوار وقيم التّفاهم، وتشجِّع على نشر الوئام، بالإضافة إلى الجدّيّة في إقامة المشاريع الّتي توفِّر فرص العمل والحدّ من الهجرة، وتشجيع عودة من هاجروا، وغيرها من الحلول الّتي تعكس قناعة ثابتة بأنَّ التنوّع هو مصدر قوّة، ولكي نتجنّب التأثيرات السّلبيّة الّتي قد تترتّب على اختفاء الوجود المسيحيّ.

عن الدستور الأردنيّ

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

Skip to content