Skip to content
Skip to content

كندهْ حتر.. قصّة نضال، فروسيّة ومبادئ إنسانيّة

عدد القراءات: 542
تاريخ النشر: يوليو 20, 2025 3:19 م
كنده. فراشة تارة وصقر تارة أخرى

كنده. فراشة تارة وصقر تارة أخرى

سعد حتر

الشابة المكافحة، الصابرة، الصّامدة كندهْ حتر، الّتي غيّبها “الخبيث” الأسبوع الماضي عن 44 خريفًا، كانت شعلة إبداعٍ، مِرجل تحدٍّ ومقارِعة عصيّة على المساومة أو الخنوع. كنده لم تنشأ فتاة عاديّة تحت كنف ابن العم الكاتب المرّ والشاعر الثوريّ علي حتر والأمّ الحزينة ماري عودة حتر. فبعيدًا عن شطحات المراهقة، ظلَّتْ كنده تنهل من فضاءات العلم الأدب وفلسفة المقاومة والصمود وفق بوصلة تبعتها بشغف يلامس الهوس خلال عمرها القصير على هذا الكوكب.

“على هذه الأرض ما يستحقُّ الحياة” للأيقونة محمود درويش حكمة ظلّت تُطرِّزُ قلبها الندي الموجوع بعذابات البؤساء والمسكون بالأمل في غدٍ أفضل. ذات المقولة الخالدة التفت نقشاَ حول معصمها وزيّنت فستانها الأثير، الذي طلبَتْ أن توارى به في رحلتها الأبديّة.

بكلمات مغمسة بالدمع ودّع علي ابنته:

أرثيك.. كِنْدهْ.. أنا.. أم أنـــــــــــــا أرثيني

أبكيك من لوعـــــــــتي.. أمْ أنــــــا أَبكيني

ويلاه.. تلك فجيــــــــــــعةٌٌ.. بغتْ وطَغتْ

قومي انهضي وانظري صَــوْبي وحاكيني…

بنتي.. بحــــــالي ارأفي…. هلاّ تواسيني

أحكي “وداعـــــــــــــــا” وكنت حاكيَهــا

“إلى اللقاء”.. لكي يومـــــــــــــا تلاقيني يا من رفضت ظروف القهـــــــــــر ثائرة

من قلب أربيل.. حتى من فلســـــــــطين

جميعهم شـــــــــهدوا.. ما كنت راضخة..

ما أنت من زُمرٍ باعت ضمــــــــــائرها

بل أنت من خــــير من دبّوا على الطين
..

بمن ســـــــــــــــنفخر إذ تركْتِ عالمنا

بمن ســـــــــــنفخر.. بعد اليوم.. دُلّيني

هي كنده. فراشةٌ تارةً وصقرٌ تارةً أخرى. مُهرةٌ في الدّلال والأصالة، لبوةٌ في خرمشة الظالمين والمُعتدين. لا تساوِمُ ولا تتنازل في الدّفاع عن حقوق المظلومين إنَّ في خندق الصّحافة أو على جبهة الشفافيّة وحقوق الإنسان. دخلت مضمار الصّحافة عن شغف قبل ربع قرن. تابعتها وهي تراكم الخبرة والمعرفة في بدايات تأسيس صحيفة “الغد”، إلى جانب العديد من الصّحفيّين الواعدين تحت إشرافي.

كنتُ شاهدًا على صلابتها وموقفها المبدئيّ، بحيث رفضت المساومة على قناعاتها مقابل وقف ملاحقتها. بالقلم والحنجرة.. بأنشودة وترنيمة.. قارعت الظُّلم والطُّغيان على الأرصفة وفي السّاحات.

في برلين، واصلَتْ معركة الدّفاع عن الحرّيّات والإنسانيّة.

الجالية الأردنيّة في ألمانيا ودّعَتْ مُستشارة منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظّمة الشفافيّة الدوليّة بكلماتٍ مؤثّرةٍ استذكرَتْ فيها مناقبها وساحات نزالها. “كانت كندهْ رمزًا للعطاء والتّفاني، أسهمَتْ بجهودها الفريدة في تعزيز قيم الشفافيّة والنّزاهة”، كتبَتِ الجالية في رثائها، مؤكِّدةً أنَّ الرّاحلة “مثَّلتِ الأردن بصورةٍ مُشرِّفةٍ في المحافل الدّوليّة”. كما دأبت على تقديم الدّعم والإرشاد لكلِّ مُحتاج، بقلبها الرّحب الّذي احتضن أبناء الجالية الأردنيّة في الغربة”. كانَتْ فقيدة الصّحافة ومنابر الحرّيّة “جسرًا يربط المُغتربين بوطنهم الأم، حاملةً في روحها الأصالة الأردنيّة، ومزرعةً للخير في كلِّ مكان وصلته”.

أستعير أبيات درويش في مخاطبة قرية كفر قاسم:

“إنّني عدتُ من الموت لأحيا، لأغنّي

فدعيني أستعر صوتي من جرح توهَّج

وأعينيني على الحقد الذي يزرع في قلبي عوسج

إنني مندوب جرح لا يساوم

علمتني ضربة الجلاّد أن أمشي على جرحي

وأمشي..

ثم أمشي..

وأُقاوم”.

ورجع الصدى يستحضر هنا صرخة درويش: “ذهبَ الذينَ تُحبهم ذهبوا، وكأنَ شيئًا لم يكُنْ وها أنا وحدي ملء هذا الكون”.

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment