السابق الطفلة صوفيا الربضي تحصل على لقب سفيرة جمال الطفولة في الأردن
رابط المقال: https://milhilard.org/9koq
عدد القراءات: 570
تاريخ النشر: أغسطس 21, 2022 4:01 م
رابط المقال: https://milhilard.org/9koq
سمر منصور سماوي- الناصرة
خاص بملح الأرض
في عام 2018، زار زوجي، القس رجائي سماوي الأردني الأصل ، قرية كفركنا (قانا الجليل بحسب الإنجيل المقدس) مع مجموعة بروتستانتية اجنبية ، مثلها مثل آلاف المجموعات التي تؤم القرية سنويًا لكونها موقع عجيبة الرب الأولى ، هي عجيبة تحويل الماء الى خمر في عرس قانا الجليل ومباركته العرس.
وقد اتاني يومها منفعلاً وقال: “وقفت اليوم مع المجموعة في البلد القديمة، واذ ببيت جدّك أمامي مغلق! تمنيت لو كان مفتوحًا، فهناك حاجة ماسة لتخصيص مكان تستطيع فيه المجموعات التي تزور كفركنا إقامة طقس تجديد عهود الزواج ، أو أي احتفال إضافي يحلو للحجاج المسيحيين أن يحيوا بشكل لائق. موقع كهذا وحاجة كتلك تحتم علينا احياءه .. “
كيف لي أن أرفض فكرة إحياء هذا البيت الذي أذكر تفاصيله الدقيقة وتفاصيل زياراتي اليه؛ فأنا أصغرالأحفاد العشر، رافقت والدتي في كل زيارة لوالدتها، جدّتي مريم، لسنوات طويلة. ولقد درجت مع اخوتي على اطلاق لقب “ستي” على لبنة او لبن الغنم اللذين درجنا على تناولهما عندها باسمها ، فصارا لبنة ستي ولبن ستي .. أما الخبز السميك بشكل خاص الذي كانت تخبزه لنا، فما زال طعمه تحت لساني وفي مخيلتي وقلبي..
كما ولا زلت أذكر والدي وهو يقف على السلّم، ليقوم بتقليم الدالية (الكرمة) في صحن دار جدي كل سنة.. فأبي الذي حمل القلم في جيبه الى كل مكان، كان فلاحا بفطرته وكانت الزراعة ، ولا زالت، جزءًا من هويّته، ولذا فقد أخذ على عاتقه مهمة تقليم دالية بيت جدي في قانا ، حتى أن صار القلم والتقليم تخصصه !
هذا البيت الذي احتضن الأعراس في البلد، وهذه الدالية الوارفة المنتصبة هناك أمامه ، تشهد حتى يومنا هذا على ذكريات لا حصر لها ، سارة وحارّة. أما جدتي، التي اغلقت عينيها للمرة الأخيرة في هذا البيت، أمام عينيّ، وأنا في الثالثة عشر من عمري، كانت ستسعد اننا نُحيي هذا البيت ونعيد للناس ذكرياتهم فيه في كل زيارة. لقد مرّ العشرات من الجيران وأهل البلد خلال الترميمات وبعد انهاء العمل، ليحدثونا بشغف عن ذكرياتهم في هذا البيت ومعه وعنه ..
وقد كان!
تم ترميم البيت، بعد أن منح كل ورثة نايف ومريم غريب بركتهم للقس رجائي ولي، ولأخي بطرس منصور ولزوجته عبير، للشروع في مشروع يسد هذه الحاجة التي شعر بها رجائي، ولتهيئته كمكان لتجديد عهود الزواج. ولقد تم ترميم الدار وفتح المكان، الذي اطلِق عليه اسم “دارة العُرس” بالعربية – و
. بالإنجليزية – أبوابه في تشرين ثان من العام 2019Cana Wedding Chapel
ولقد ألحق به فيما بعد دكان للهدايا إضافة لتجهيز الساحة تحضيرا لاحتفالات استقبال الأزواج بعد تجديد العهود.
جدّي و جدتي نايف ومريم غريّب
يروى كبار السن ان أصل أجداد عائلة غريّب المسيحيّة في فلسطين يعود الى حوران في سوريا؛ وتعتبر قرية كفركنا، التي تقع بضعة كيلومترات الى الشمال الشرقي من الناصرة، مركزًا للعائلة في الجليل.
انتقل الكثير من أبناء العائلة بحثا عن مصدر للرزق خلال السنين الى الناصرة وإلى حيفا؛ وبحسب الإحصاء الأخير لأعداد أفراد العائلات المسيحية في الداخل، فإن عدد افراد عائلة غريّب بلغ 380 شخصًا.
تنتمي العائلة بغالبيتها العظمى لطائفة الروم الأرثوذكس، بينما تنتمي أقلية صغيرة منها لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك في الناصرة وحيفا.
إمتلك جدّي نايف وجدتي مريم غريّب بيتهم الواقع في البلدة القديمة في كفركنا في تقاطع شارعي “المخاتير” و”الست راضية “؛ وهو بيت مميّز يقوم على قطعة ارض شيه مربعة مساحتها 750 مترا مربعا، ويتألف من أكبر عقدين في البلد وطابق ثان أقيم فوقهما لم يكتمل العمل على انشائه، وأمامه ساحة كبيرة تقوم على أطرافها بضعة غرف إضافية صغيرة.
تمّ بناء هذا المُجمّع قرابة عام 1880 حين قام يعقوب غريّب الغريّب وزوجته نجمة الغريّب ببناء بيوت للسكن لأولادهما الثلاثة: غريّب وإبراهيم وخليل وعائلاتهم. ويُروى أنّ الجدّة نجمة كانت تساعد في نقل مواد البناء للبنّائين من تراب أحمر ونحاتة ومواد أخرى من الطّبيعة الى الموقع، فتنقلها في سلة على رأسها.
قصة العائلة
تزوّج أبناء يعقوب الغريّب الثلاثة ؛ وبعد أن ولِد لإبراهيم ابنه نايف عام 1903 وابنته لبيبة عام 1907، غادر إلى أمريكا بحثًا عن لقمة العيش وهربًا من التجنيد الإجباري أيام السفر برلك إبّان الحرب العالمية الأولى. ولقد دأبت زوجته نزهة، التي كانت تعرف اللغة الإنجليزية ، التي تعلمتها في مدرسة “الاورفنج” التابعة للكنيسة الإنجيلية الاسقفية في الناصرة – أن تعلّمها لابنها نايف؛ الأمر الذي مكّن جدّي من الانضمام إلى سلك شرطة الانتداب البريطاني بُعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى؛ ولمّا يبلغ بعد سن السادسة عشرة من عمره.
وعلى مقربة من هذا الموقع ولِدت جدتي “مريم” عام 1902 لوالديها أسعد موسى غريّب وتركيّة يوسف مطر، وتلقت تعليمها الابتدائي في مدرسة القرية ، فتعلمت العربيّة والانجليزية وبعض التركيّة، وكانت من أوائل بنات القرية اللواتي أجدن القراءة والكتابة في مطلع القرن الماضي.
تزوجت جدتي مريم من ابن عمها البعيد نايف إبراهيم غريّب عام 1925 وانتقلت للسكن معه حيث كان يخدم في سلك الشرطة كضابط تحقيق، وتنقل بين مدن فلسطين الانتدابيّة المختلفة كحيفا والناصرة وسلفيت والقدس ويافا وملبّس وعتليت وشفاعمرو وسَمَخ وبيسان وغيرها؛ وكانت له عونًا في الحياة بعيدًا عن مسقط رأسيهما. كما وكانت له عوناً حتى في دراسته للترقّي في سلّم الرتب في الشرطة وأسهمت في إجادته اللغتين العربيّة والانكليزيّة حتى تمت ترقيته تدريجيا الى ان حصل على رتبة ضابط. ولقد خدم جدي في شرطة الانتداب حتى جلائه عن فلسطين ثم في شرطة اسرائيل بعد أن اعتمد فيها لخبرته الطويلة في التحقيق.
تقاعد جدّي نايف نهائيًا من الشرطة في عام 1954 لأسباب صحية وعاد إلى كفركنا ليعيش مع أسرته في العَقد الجنوبي الأيمن للمُجَمّع. وعندما انتقل أولاد خليل غريّب إلى الناصرة وحيفا، اشترى جدّي حصتهم (العَقد الأيسر) في المُجمّع بعد أن أخذ قرضاً لشرائه. وكان أن اشترت أمّي إفلين وأخواتها في منتصف تسعينيات القرن الماضي المنزل إلى يسار المدخل من أحفاد الجد الأكبر غريّب المذكور أعلاه أحد أعمام والدهنّ، ليصبح الحيّز كله تحت إمرتهن.
إشتهر جدّي نايف غريّب بكونه رجلاً جمع بين السخاء وروح الضيافة ومحبة الصلح المجتمعي؛ فجعل بيته متاحًا لأي زائر أو غريب يمرّ من البلدة؛ كما وتم استخدام البيت كمكان لمدرسة الأحد لأطفال الحارة.
كذلك فقد سمح باستخدام المنزل كمقرّ لعقد اجتماعات “جمعيّة المياه التعاونيّة – كفركنا” التي أقيمت في القريّة عام 1958، وعمل فيها أمينًا للصندوق. لم تكن المياه آنذاك تصل الى البيوت، بل كانت نساء القريّة يستقين الماء الى بيوتهن من العين. فعمل جدّي، بدور ريادي مع بعض وجهاء البلد، بواسطة جمعية المياه على مدّ انابيب الماء الى حارات البلد -أربع أو خمس حنفيات في كل حارة- الأمر الذي سهّل عمليّة توصيل المياه إلى بيوت الناس في البلدة. وبعد فترة ما، مدَّت أنابيب المياه الى البيوت أيضًا وبهذا نجحت الجمعية في توصيل القرية كلها بشبكة المياه القطريّة.
كان جدّي رجل سلام وقياديًا بارزًا في قانا، نشط في جهود المصالحة بين العائلات المتنازعة حتى وفاته قبل أوانه نهاية العام 1970 ؛ ولم أتعرف الى جدي أبداً، إذ أنه قد توفي قبل ولادتي بستة أشهر.
أما جدتي فكانت مضيافة بدورها فتأتي إليها النسوة من الأقارب والجارات ، اضافة الى دعوتها لصديقات بناتها، للزيارة وقضاء الأوقات معهنّ. وعندما يصبحن في سن الزواج كنّ يجلسن جميعًا في العَقد الأول ويحضّرن “جهازهن” لبيوتهن من تطريز شراشف طاولة وأغطية أسِرّة والحياكة والمساعدة في الخياطة. وتوفيت جدتي عام 1984 كما ذكرت وهي تتحدث أمامي مع والدتي.
بما انّ البيت وساحته قد اتسعا بعد شراء العقد الثاني ، فقد كانت الجدّة والجدّ يدعوان كل من يحتاج من الأقارب والأصدقاء ليقيم فيه حفل زواج ابنه/ابنته (زيانة ، تعليله، حمّام والخ…) لذلك فبالإضافة لحفلات زواج بنات الجد نايف، فقد أقيمت في باحة البيت حفلات زواج بعض الأقارب والأصحاب.
.
العائلة
ولد لجديّ نايف ومريم خمسة أولاد هم بالتسلسل: سلوى (1929) وعليا (1931) وجانيت (1934) ووالدتي إفلين (1938) وإبراهيم (1940). ولقد بذل كل من مريم ونايف قصارى جهدهم لمنح أولادهما أفضل تعليم في ذلك الوقت فأدرجت الفتيات للدراسة في مدرسة “الاورفنج” في الناصرة؛ بعد أن كانت الكبريان قد تلقتا تعليمهما الابتدائي الأول في مدرسة “بيلو” في ملبّس؛ كما وتلقت أمي افلين دراستها في المدرسة المعمدانية في الناصرة وكانت خريجة الفوج الأول الذي تخرج من المدرسة بعد تجدد نشاطها؛ اما ابراهيم فقد تلقى تعليمه في المدرسة الثانوية البلدية في الناصرة.
وبعد تخرج البنات واخوهن انخرطوا في سلك التعليم لعقود طويلة فدرّسوا الآلاف من الطلاب في طول البلاد وعرضها: فعلّمت عليا في مدرستها “الاورفنج” في الناصرة وفي عين ماهل وكفركنا واخيرًا في مدرسة الناصرة الابتدائية “ب”، وجانيت في عين ماهل وكفركنا، وافلين في مدرستها المعمدانية في الناصرة وفي بيت صفافا وحي الكروم في الناصرة ويافة الناصرة ؛ اما إبراهيم فقد عمل في كفركنا وكيبوتسات شاعر هجولان ونعمان وشاعر همفراتس وفي مدرسة راهبات الكرمليت ومدرسة راهبات الناصرة في حيفا وفي مدرسة الساليزيان (دون بوسكو) في الناصرة ومنها خرج الى التقاعد المبكر.
ولقد تزوّجت كل من عليا وجانيت وإفلين وأنجبن أولادًا؛ أما سلوى وإبراهيم فلم يتزوّجا ولم ينجبا.
من بين أحفاد وحفيدات جدّي نايف وجدتي مريم وأولادهم محامون ومهندسون وأطباء ورجال أعمال واقتصاد وتربية وتعليم وصناعيون وأخصائيون نفسيون وعدد من الطلاب الجامعيين ممن يعدّون أبحاثًا للدكتوراة. كما ينشط بعض الأحفاد وأولادهم في العمل في الكنائس المحلية.
بعد وفاة إبراهيم وسلوى اللذين لم يتزوجا وبقيا في بيت العائلة في كفركنا، اغلق البيت أبوابه لمدة عشر سنوات.
عودة السياحة بعد جائحة الكورونا
بارك المجلس المحلي في كفر كنا مشروعنا بعد ترميم البيت وأعلن دعمه له وعقد فيه لقاءً مع المدير العام لوزارة السياحة في كانون ثان 2020. لكن جائحة الكورونا أوقفت السياحة بشكل كامل منذ آذار 2020 ، فبقيت “دارة العرس” قفراً بلا زوار تقريبًا مدة سنتين ، إلا ان حركة السياحة راحت تتجدد في الأشهر القليلة السابقة رويدًا رويدًا.
بصفتي مديرة “دارة العرس” آمل ان تعود السياحة كما كانت قبل الجائحة واتوقع ازديادًا ملحوظًا في الخريف القريب وهو موسم تصل فيه السياحة إلى ذروتها؛ كما وآمل ان ننجح في إحياء هذا البيت العريق ونسهم مع باقي مرافق البلدة في نهضة سياحية في القرية بشكل خاص وفي الجليل بشكل عام.
*******************************************
الكاتبة سمر منصور سماوي مديرة دار العرس في قانا الجليل وقد أرسلت المقال والصورة النادرة حصريا لـ ملح الأرض
تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.