Skip to content
Skip to content

صالون مي خوري: رائحةُ القدس في عمّان

تاريخ النشر: أغسطس 17, 2025 11:15 م
صالون مي خوري في عمان

صالون مي خوري في عمان

كتب خليل العسلي

عندما تحطُّ بنا الرِّحال في عمّان، الشّقيقة الوحيدة للقدس، بين الحين والآخر، يتحتَّمُ علينا أنْ نلتقي مع عُشّاق القدس من فنّانين ومُثقَّفين في منزل الفنّانة المُثقّفة المُصمِّمة “مي خوري”، فهذا المنزل أقرب إلى المتحف منه إلى منزلٍ عاديٍّ، والّذي باتَ هو مكان اللِّقاء الّذي يجتمع فيه الفنُّ والحكايةُ. ففي كلِّ زاويةٍ من جوانبه هُناك حكايةٌ لكلِّ قطعةٍ أثريّةٍ، فهذه من رام الله وتلك من عمّان والسلط والمغرب وتركيا، في لوحةٍ مُتناغمةٍ تُعيدُ سردَ الحكايات الصَّغيرة الّتي تصوغها يوميّاتُنا.

تلكَ الحكايات جمعتْها يد فنّانةٍ تجعل القطع الفنّيّة غايةً في الجمال، لتصبح روايةً مُتناسقةَ التّفاصيل أنيقةَ المظهر.

وفي هذه المرّة عدنا لنلتقي مجموعةً من المَقدسيّين وعُشّاقها، حيثُ كانَتْ هذه الأمسية العمّانيّة مُميَّزةً، تفوح منها رائحة القدس من الكعك وفلافل الهدمي إلى الزعتر المرصوص كهرمٍ شامخٍ وبهاراتِ المؤقت إلى قهوة ازحيمان وكنافة جعفر.

الفنّانة مي خوري: ولدت في رام الله وترعرعت في القدس

وخيَّمَ عليها أجواءُ العشقِ الأبديّ بلكنةٍ مقدسيّةٍ لا يعرفها إلّا من عاش فيها أو يعشقها، تلك الأمسية الرّاقية كانتْ في منزلٍ هو بالحقيقة حكايةٌ لا تنتهي من الجمال لفنّانةٍ عاشقةٍ لكلِّ ما هو مقدسيٌّ أردنيٌّ فلسطينيٌّ عربيٌّ، إنَّها بالتّأكيد الفنّانة “مي خوري” الّتي تخطف الأبصار وتُذهِبُ العقول من شدّة الأناقة والتنسيق بلمستها الخاصّة وحديثها العذب.

وكان الوضع الرّاهن في المدينة وفلسطين هو السائد، وكان الحديثُ مُتشعِّبًا عن تجارب عاشها البعض، وتساؤلاتٍ يرغب البعض بالحصول على إجاباتٍ عليها. واتفق كلُّ من تواجد في صالون “مي خوري” على أهمّيّة العمل على إيجاد سرديّةٍ تجمع كلَّ من يُطلِقُ على نفسِهِ مقدسيًّا عربيًّا عاشقًا للمدينة، حتّى من هم خلف الحدود.

وهنا أتذكَّرُ اللِّقاء الأوَّل مع المُصمِّمة مي خوري الّتي وُلِدَتْ في رام الله وترعرعت بين القدس ورام الله، وعاشَتْ في عمّان، ذلك المكان الهادئ المُستقرُّ الّذي يمنحُ القدرة والجو على التّفكير الإبداعيّ والإقدام الجريء على تحقيق حلمك حتّى لو كان فيه تحدٍّ للصورة النمطيّة السّائدة في المجتمع الّذي لا يزال يتلمَّسُ طريقه بين الأمواج المُتلاطمة الّتي تضرب شواطئ المدينة.

مي خوري الّتي وُلِدَتْ في رام الله وعاشَتْ بين القدس وعمّان، وَجَدَتْ نفسها في هذا الجوّ، وعملتْ بصمتٍ تحاور حلمها وتحوِّلهُ لواقعٍ ملموسٍ. صاغَتْ عبر تجربتها جسرًا بين القديم والحديث، بين الهويّة الضيّقة والانفتاح، هي ليسَتْ مُجرَّدَ فنّانةٍ أو مُصمِّمةٍ، بلْ هي مُبدعةٌ تحملُ رسالةً وطنيّةً، إذ يقومُ مفهومها في التّصميم على إعادة التّدوير الإبداعيّ، فهي تأخذ الأشياء الّتي لم تعد مُستخدمةً وتُعيدُ بعثها بروحٍ جديدةٍ لتتحوَّل إلى تحفٍ فنيّةٍ نابضةٍ بالحياة، في كلِّ قطعةٍ من ابتكاراتها لتجسِّدَ حكاية التُّراثِ الفلسطينيّ، لتعيد ذاكرة أجيالٍ كاملةٍ. ولهذا فإنَّ هذا العمل ليس مُجرَّدَ إبداعٍ فنّيٍّ، بل هو نضالٌ ثقافيٌّ بأدوات الفنِّ والجمال، يهدف إلى تعزيز حضور التُّراث الفلسطينيّ وحمايته من الإندثار، إنَّ أعمالَها ليسَتْ مجرَّد فنٍّ للزّينة، بل رحلةٌ تمتدُّ لعشراتِ السّنين تحكي تاريخنا و تؤكِّدُ وجودنا وتحافظ على روح القدس.

وكان اللِّقاء بحضور الفنّان المقدسيّ المعروف طالب الدويك، الّذي يُعتبرُ الفنّان الأهمَّ في المدينة ومؤسِّس مجموعة “أيقونة القدس للفنِّ التشكيليّ” لدعم الفنّانين الشّباب، والّذي قال إنَّه يحرص دائمًا على دعوة الفنّانة والمُصمِّمة مي خوري لكلِّ المعارض الّتي يُقيمها في عمّان، فهي مُتذوِّقة للفنِّ التشكيليّ من الدّرجة الأولى، فلديها القدرة المهنيّة على التمييز بين اللّوحات، ولهذا فهي تقتني دائمًا الأفضل وهذا ينعكسُ في الكمِّ الكبير من اللّوحات الّتي تُزيّن منزلها، لوحاتٍ لكبار الفنّانين المحلّيين والعرب من فلسطين ومن بقيّة البلاد العربيّة وحتّى الفنّانين الشُّبان الّذين تحرص دائمًا على دعمهم وتشجيعهم.

لم أكُنْ قد التقيتُ هذه الإنسانة المُبدعة الحالمة والّتي تعيش حلمها بشكلٍ يوميٍّ وواقعيٍّ من قبل، ولكن لحظة أنْ تتحدَّثَ معها تشعر أنَّك تعرفها من زمنٍ طويلٍ، فحديثها سلسٌ سهلٌ بسيطٌ يُصيبُ العقل والقلب معًا ، تعبيراتها جزءٌ من تراثنا، وعملها هو تأكيدٌ على هويّتنا الجمعيّة الشّاملة الإنسانيّة، ولهذا لم يكُنْ غريبًا أنْ يطول الحديث الشَّيق والمُمتع، تمنَّيتُ ألّا ينتهي، فلا يُمكن أنْ تقاطع “مي” وهي تتحدَّث بشغفٍ عن عملها وعن إنجازاتها وعن أحلامها وعن زهدها بالحياة بعد أنْ وصلَتْ شهرتها عباب السماء.

وتقول إنَّ في قلبها حسرةً لأنَّها لم تتمكَّنْ في زيارتها الأخيرة قبل عدَّة أشهر إلى رام الله من زيارة القدس الّتي تعشق، رغم أنَّ المدينة في غالبيّة أعمالها الفنيّة وتصاميمها وفي كلِّ زاويةٍ من زوايا بيتها، هُنا إشارةٌ أو لونٌ أو حكايةٌ لها علاقةٌ بالقدس، إلّا أنَّ الوجود جسديًّا وروحيًّا في القدس هو شيءٌ آخرٌ، شيءٌ سماويٌّ يفوق التصوّر، صحيحٌ أنَّ القدس تسكنني ولكن نتمنّى أن نسكن القدس ذات يوم حتّى يتحوَّلَ الحلمُ إلى حقيقةٍ.

كانَتِ الفنّانة “مي خوري” قد حصلَتْ على العديد من الجوائز الدّوليّة منها جائزةُ أفضل مُنتجٍ حرفيٍّ في العالم العربيّ من اليونسكو في باريس، وكذلك جائزتين فضّيتين وواحدةٌ ذهبيّةٌ للتّصاميم من الأثاث الفنّي من قبل مؤسَّسة تصاميم عالميّة في إيطاليا.

هذه الأمسية العمانيّة والّتي كانَتْ عن القدس ومن يكتب عنها رواياتٍ وحكاياتٍ ومن يرسمها لوحاتٍ بالزَّيت والماء، انتهتْ بسرعةٍ وكان يأملُ كلُّ من شاركَ فيها أن لا تنتهي، فحديثُ القدس بمرِّه وقسوته وموته وأمله مُمتزجٌ بروائح المدينة حديثٌ طويلٌ لا ينتهي.

ورحل الجمع وبقي صالون “مي خوري” والّذي هو تحفةٌ فنيّةٌ بحدِّ ذاته، وحيدًا يحمل في جنباته ذكريات الأحاديث الجانبيّة المقدسيّة العمّانيّة الفنيّة الثّقافيّة التّاريخيّة على أمل اللّقاء قريبًا.

عن أخبار البلد– القدس

تكافح مجلة “ملح الأرض” من أجل الاستمرار في نشر تقارير تعرض أحوال المسيحيين العرب في الأردن وفلسطين ومناطق الجليل، ونحرص على تقديم مواضيع تزوّد قراءنا بمعلومات مفيدة لهم ، بالاعتماد على مصادر موثوقة، كما تركّز معظم اهتمامها على البحث عن التحديات التي تواجه المكون المسيحي في بلادنا، لنبقى كما نحن دائماً صوت مسيحي وطني حر يحترم رجال الدين وكنائسنا ولكن يرفض احتكار الحقيقة ويبحث عنها تماشيًا مع قول السيد المسيح و تعرفون الحق والحق يحرركم
من مبادئنا حرية التعبير للعلمانيين بصورة تكميلية لرأي الإكليروس الذي نحترمه. كما نؤيد بدون خجل الدعوة الكتابية للمساواة في أمور هامة مثل الإرث للمسيحيين وأهمية التوعية وتقديم النصح للمقبلين على الزواج وندعم العمل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني المسيحيين و نحاول أن نسلط الضوء على قصص النجاح غير ناسيين من هم بحاجة للمساعدة الإنسانية والصحية والنفسية وغيرها.
والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بالتواصل والنقاش الحر، حول هويّاتنا وحول التغييرات التي نريدها في مجتمعاتنا، من أجل أن نفهم بشكل أفضل القوى التي تؤثّر في مجتمعاتنا،.
تستمر ملح الأرض في تشكيل مساحة افتراضية تُطرح فيها الأفكار بحرّية لتشكل ملاذاً مؤقتاً لنا بينما تبقى المساحات الحقيقية في ساحاتنا وشوارعنا بعيدة المنال.
كل مساهماتكم تُدفع لكتّابنا، وهم شباب وشابات يتحدّون المخاطر ليرووا قصصنا.

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment